مِنَ الكَرَامَةِ الَّتِي يَتَوَقَّعُونَهَا مِنَ اللهِ، أَفَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِكَ أَيْضًا: «إِنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً يَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ الله لَهُمْ مِنَ جَنَّاتِهِ وَنَعِيمِهِ وَكَرَامَاتِهِ مَسِيرَةَ ألفِ سَنَةٍ، وَإِنَّ الأَدْنَيْنَ مِنْهُمْ يَتَوَقَّعُونَ مِنْ كَرَامَاتِ الله مَا يَتَوَقَّعُ أَكْرَمُهُمْ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى أَعْلَى الجَنَّةِ كَمَا يَنْظُرُ أَكْرَمُهُمْ؟» فمَا مَوْضِعُ تَمْيِيزِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الأَدْنَى بِالنَّظَرِ إِلَى مُلْكِهِ وَنَعِيمِهِ، وَالأَعْلَى إِلَى وَجْهِهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً؛ إِذْ كُلُّهُمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَى مَا أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ [60/و] فِيهَا غَيْرُ مَحْجُوبِينَ، وَلَا عَنِ التَّوَقُّعِ مَمْنُوعِينَ حَتَّى تَلَا رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَكْرَمِينَ مِنْهُمْ مَا لم يَتْل فِي الأَدْنَيْنِ مِنْهُم تَثْبِيتًا لِوَجْهِهِ ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، وَتَكْذِيبًا لِدَعْوَاكَ، فَقَالَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23] وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى كَرَامَاتِهَا نَاظِرَةٌ، فَسُبْحَانَ الله! مَا أَوْحَشَهَا مِنْ تَأْوِيلٍ، وَأَقْبَحَهَا مِنْ تَفْسِيرٍ، وَأَشَدَّهَا اسْتِحَالَةً فِي جَمِيعِ لُغَاتِ العَالَمِينَ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَرْزُقْكَ مِنَ الفَهْمِ إِلَّا مَا تَرَى، لَوْ تَكَلَّم بِهَذَا الكَلَامِ صِبْيَانُ الكُتَّابِ لَاسْتَضْحَكَ النَّاسُ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ رَجُلٌ يَعُدُّ نَفْسَهُ مِنْ عِدَادِ عُلَمَاءِ بِلَادِهِ؟
وَرَوَى المُعَارِضُ أَنَّ الحَجَّاجَ بْنَ مُحَمَّدٍ، رَوَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَدَ (?).
وَرَوَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - «رَأَى ربَّه جَعْدًا أَمْرَدَ عَلَيْهِ حُلَّة خَضْرَاءُ» (?).
فادَّعى المُعَارِضُ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ فسَّروا هَذَا أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ جِبْرِيلَ، فَعَرَفَ