وَرَوَى المُعَارِضُ أَيْضًا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً، مَنْ يَنْظُرُ إِلَى نَعِيمِهِ وَجَنَّاتِهِ مَسِيرَةَ ألفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى الله - عز وجل - مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ تَلَا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)} [القيامة: 22]» (?).
قَالَ المُعَارِضُ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ نَظَرًا إِلَى مَا أعدَّ اللهُ لَهُمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الجَنَّةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الجِنَانِ.
فيُقال لِهَذَا المُعَارِضِ: قَدْ جِئْتَ بِتَفْسِيرٍ طَمَّ عَلَى جَمِيعِ تَفَاسِيرِكَ ضَحلةً وَجَهَالَةً، وَلَوْ قَدْ رَزَقَكَ اللهُ شَيْئًا مِنْ مَعْرِفَةِ العَرَبِيَّةِ؛ لَعَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الكَلَامَ الَّذِي رَوَيْتَهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ، وَهَذِهِ الألفَاظِ الوَاضِحَةِ لَا يَحْتَمِلُ تَفْسِيرًا غَيْرَ مَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَتَلَا تَصْدِيقَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الله.
وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِلَى وَجْهِ الله»، وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى وُجُوهِ مَا أَعَدَّ الله لَهُمْ مِنَ الكَراَمَاتِ، وَمَنْ سَمَّى مِنَ العَرَبِ وَالعَجَمِ مَا أَعَدَّ اللهُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ وَجْهًا للهِ قَبْلَكَ؟ وَفِي أَيِّ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ وَجَدْتَ أَنَّ وَجْهَ اللهِ أَعْلَى جَنَّتِهِ؟ مَا لَقِيَ وَجْهُ اللهِ ذُو (?) الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ مِنْ تَفَاسِيرِكَ؟! مَرَّةً تَجْعَلُهُ مَا أعدَّ الله لِأَهْلِ الجنَّة، وَمَرَّةً تَجْعَلُهُ أَعْلَى الجَنَّةِ، وَمَرَّةً تَجْعَلُهُ وَجْهَ القِبْلَةِ، وَمَرَّةً تُشَبِّهُهُ بِوَجْهِ الثَّوْبِ، وَوَجْهِ الحَائِطِ، وَاللهُ سَائِلُكَ عمَّا تَتَلَاعَبُ بِوَجْهِهِ ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
فَإِنْ كَانَ كَمَا ادَّعَيْتَ: أَنَّ أَكْرَمَهُمْ عَلَى اللهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ مَا أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ