وَرَوَى المُعَارِضُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الرُّكْنُ يَمِينُ الله فِي الأَرْضِ، يُصَافِحُ بِهِ خَلْقَهَ» (?)، فَرَوَى عَنْ هَذَا الثَّلْجِيِّ مِنْ غَيْرِ سَماع مِنْهُ أَنه قَالَ:
يَمِينُ الله: نِعْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ وَكَرَامَتُهُ، لَا يَمِينُ الأَيْدِي.
فيُقال لِهَذَا الثَّلْجِيِّ -الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَنْفِيَ عَن الله بِهَذِهِ الضَّلَالَاتِ يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ خَلَقَ بِهِمَا آدَمَ-[50/و] وَيْلَكَ أَيُّهَا الثَّلْجِيُّ! إِنَّ تَفْسِيرَهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ لَيْسَ بِيَدِ الله نَفْسِهِ، وَأَنَّ يَمِينَ الله مَعَهُ عَلَى العَرْشِ غَيْرُ بَائِنٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ تَأْوِيلهُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: كَأَنَّ الَّذِي يُصَافِحُ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَيَسْتَلِمُهُ كَأَنَّمَا يُصَافِحُ الله، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10].
فَثَبَتَ لَهُ اليَدُ الَّتِي هِيَ اليَدُ عِنْدَ ذِكْرِ المُبَايَعَةِ، إِذْ سَمَّى اليَدَ مَعَ اليَدِ، وَاليَدُ مَعَهُ عَلَى العَرْشِ، وَكَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ يَدِ السَّائِلِ». فَثَبَتَ بِهَذَا اليَدَ الَّتِي هِيَ اليَدُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا المُتَصَدِّقُ فِي نفس يَدِ اللهِ.
وَكَذَلك تَأْوِيلُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ، إِنَّمَا هُوَ إِكْرَامٌ لِلْحَجَرِ الأَسْوَدِ، وَتَعْظِيمٌ لَهُ وتَثْبِيتٌ لِيَدِ الرَّحْمَن وَيَمِينِهِ، لَا النِّعْمَةُ كَمَا ادَّعى الثَّلْجِيُّ الجَاهِلُ فِي تَأْوِيلِهِ، وَكَمَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ صَاحِبِ نَجْوَى مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، كَذَلِكَ يَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ.
وَكَذَلِكَ ادَّعَى الجَاهِلُ الثَّلْجِيُّ أَنَّ الله خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، قَالَ: بِنِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ، فَخَصَّهُ بِمَا خصَّ مِنْ كَرَامَاتِهِ.
فَيُقَالُ لِهَذَا الثَّلْجِيِّ البَقْبَاقِ النَّفَّاجِ: لَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يَعْقِلُ شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ