فَتَأْوِيلُ هَذَا أَيُّهَا المُعَارِضُ عَلَى مَا فَسَّرْنَا: أَنَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ بِكُلِّ مَكَانٍ بِالعِلْمِ بِهِ، وَمَعَ كُلِّ صَاحِبِ نَجْوَى، وَأَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى، لَا عَلَى أَنَّ نَفْسَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مِمَّا بَيْنَ الخَلْقِ فِي الأَرْضِ وَالأَمْكِنَةِ، وَبِجَنْبِ كُلِّ مُصَلٍّ وَقَائِمٍ وَقَاعِدٍ، فَهُوَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مَعَ مَنْ بِالمَشْرِقِ، كَمَا هُوَ مَعَ مَنْ بِالمَغْرِبِ، وَمَعَ مَنْ فِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ، كَمَا هُوَ مَعَ مَنْ هُوَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَلَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَالعَجَبُ مِنْكَ وَمِنْ إِمَامِكَ المَرِيسِيِّ إِذْ يَحْتَجُّ فِي ضَلَالِهِ بِالتَّمْوِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ أَبِي البَخْتَرِيِّ وَيَدَعُ المَنْصُوصَ المُفَسَّرَ [32/و] عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الرُّؤْيَةِ وَالعَرْشِ خِلَافَ مَا مَوَّهَ مِنْ كِتَابِ الله، وَرِوَايَةِ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - أَجْمَعِينَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النُّزُولِ، وَفِي أَنَّ الله تَعَالَى فِي السَّمَاءِ دون الأَرْض.
هذا إلى الِابْتِدَاعِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الِاتِّبَاعِ، وَإِلَى الجَهْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى العَدْلِ، غَيْرَ أَنَّ المُصِيبَ يَتَعَلَّقُ مِنَ الآثَارِ بِكُلِّ وَاضِحٍ مَشْهُورٍ، وَالمُرِيبَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مُتَشَابِهٍ مَغْمُورٍ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ فِيمَا ادَّعَيْتَ عَلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا النُّزُولِ، ثُمَّ قُلْتَ: وَيُحْتَمَلُ مَا قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: إِنَّ نُزُولَهُ، أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ كَمَا تَرَوْنَ أن القُرْآنَ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَافِعًا مُشَفَّعًا، وَمَاحِلًا مُصَدِّقًا، فَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ ثَوَابُهُ. فَإِنْ جَازَ لَهُمْ هَذَا التَّأْوِيلُ فِي القُرْآنِ جَازَ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ نُزُولَهُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: لَقَدْ قِسْتَ بِغَيْرِ أَصْلٍ، وَلَا مِثَالٍ؛ لِأَنَّ العُلَمَاءَ قَدْ