أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ قَالَهُ فَالحَدِيثُ يُكَذِّبُهُ وَيُبْطِلُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الحَدِيثِ: «إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، أَوْ شَطْرُ اللَّيْلِ، نَزَلَ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ دَاعٍ، فَأُجِيب؟ هَل من مُسْتَغْفِر أغفرُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الفَجْرُ» وَقَدْ جِئْنَا بِالحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ فِي صَدْرِ هَذَا الكِتَابِ (?).
فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا حَكَيْتَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَادَّعَيْتَهُ أَنْتَ أَيْضًا أَنَّهُ: أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ وَسُلْطَانُهُ، مَا كَانَ أَمْرُهُ وَسُلْطَانُهُ يَتَكَلَّمُ بِمِثْلِ هَذَا وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى اسْتِغْفَارِهِ وَسُؤَالِهِ دُونَ الله، وَلَا المَلَائِكَة يَدعُوا النَّاسَ إِلَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَإِلَى المَغْفِرَةِ مِنْهَا لَهُمْ، وَإِلَى إِعْطَاءِ السُّؤَّالِ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى وَلِيَ ذَلِكَ، دُونَ من سِوَاهُ.
وَأُخْرَى؛ أَنَّ أَمْرَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَسُلْطَانَهُ دَائِبًا يُنَزَّلُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يَفْتُرُ، وَلَا يَنْقَطِعُ، فَمَا بَالُ ثُلُثِ اللَّيْلِ خُصَّ بِنُزُولِهِ وَرَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ مِنْ بَيْنِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؟ حَتَّى وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِذَلِكَ وَقْتًا آخَرَ، فَقَالَ: «إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ الفَجْرُ»، فَفِي دَعْوَاكَ تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ عَلَى النَّاسِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِذَا انْفَجَرَ الفَجْرُ رُفِعَتْ فِي دَعْوَاكَ.
هَذَا وَاللهِ تَفْسِيرٌ مُحَالٌ، وَتَأْوِيلُ ضَلَالٍ، يَشْهَدُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الحَدِيثِ بِالإِبْطَالِ.
وَأَمَّا مَا رَوَيْتَ فِي صَدْرِ كِتَابِكَ عَنِ المَرِيسِيِّ: أَنَّ اللهَ بِكُلِّ مَكَانٍ عَن ابْن عُيَيْنَة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: «لَا تَقُلْ: الله حَيْثُ كَانَ، فَإِنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ».
وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ، مِثْلَهُ.