لما أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ فِي هَوَاءِ الآخِرَةِ، حَيْثُ لَا خَلْقَ مَعَهُ هُنَاكَ غَيْرَهُ وَلَا فَوْقَهُ سَمَاءٌ.
وَفِي قِيَاسِ مَذْهَبِكَ وَمَذَاهِبِ أَصْحَابِكَ مَحْوِيٌّ مُحَاطٌ بِهِ، مُلَازِقٌ، ممَاس، قَدِ اعْتَرَفْتَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُ؛ لِأَنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَ بَعْضِهِ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ بَيْتٍ مُغْلَقٍ، وَفِي كُلِّ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، فَهُوَ فِي دَعْوَاكُمْ مُحَاطٌ بِهِ مُمَاسٌّ.
وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ مِمَّاس الأَمْكِنَةِ، قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الأَرْضُ -فِي دَعْوَاكُمْ- وَالسَّمَاءُ، وَحِيطَانُ البُيُوتِ، وَالأَغْلَاقُ وَالأَقْفَالُ.
وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ نَصِفَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، بَلْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ جَمِيعِ الخَلَائِقِ فِي أَعْلَى مَكَانٍ وَأَطْهَرِ مَكَانٍ، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 61]، يَعْلَمُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، يُدَبَّرُ مِنْهُ الأَمرُ، يُعْرَجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألفَ سَنَةٍ، كَمَا قَالَ، لَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَلَا سَقْفُ بَيْتٍ، وَلَا تُقِلُّهُ أَرْضٌ، وَلَا تُظِلُّهُ سَمَاءٌ كَمَا ادَّعَيْتَ أَيُّهَا المُبْتَلَى أَنَّهُ فِي كُلِّ حَجَرٍ وَزَاوِيَةٍ، وَفِي كُلِّ حُشٍّ وَكَنِيفٍ وَمِرْحَاضٍ، حَيْثُ مَقِيلَ الشَّيْطَانِ، ومَبِيتِهِم تَعَالَى اللهُ عَن وَصْفِكَ.
* * *