فِي دَعْوَاكَ-؟
وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ الله لَمْ يَصِفْ نَفْسَهُ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ. فَإِنْ كُنْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ مِمَّنْ يَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ، وَيَفْهَمُ شَيْئًا مِنَ العَرَبِيَّةِ؛ عَلِمْتَ أَنَّكَ كَاذِبٌ عَلَى الله فِي دَعْوَاكَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، وَمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ. ذَكَرَ أَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، وَالعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ, فَكَيْفَ مِنَ الرِّجَالِ؟!
قَالَ الله تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 61]، [27/و] ... {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، {ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:3 - 4] مِنَ الأَرْضِ السَّافِلَةِ. وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وَلَمْ يَقُلْ: يَنْزِلُ إِلَيْهِ تَحْتَ الأَرْضِ.
فَهَذِهِ الآيُ كُلُّهَا تُنْبِئُكَ عَنِ اللهِ أَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، وَأَنَّهُ عَلَى السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ، وَأَنَّهُ عَلَى العَرْشِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ المَوَاضِعِ، قَدْ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَآمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَ اللهَ بِمَا فِيهِ. فَلِمَ تَحْكُمُ عَلَى اللهِ تَعَالَى أَيُّهَا العَبْدُ الضَّعِيفُ بِمَا هُوَ مُكَذِّبُكَ فِي كِتَابِهِ؟ وَيُكَذِّبُكَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم -.
أَو لم يَبْلُغْكَ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: «أَيْنَ الله؟ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ».
فَهَذَا يُنْبِئُكَ أَنه فِي السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ، فَكَيْفَ تَتْرُكُ مَا قَالَ اللهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ، وتَخْتَارُ عَلَيْهَما فِي ذَلِكَ قَوْلَ بِشْرٍ، وَالثَّلْجِيِّ، ونُظُرَائِهِمَا مِنَ الجَهْمِيَّةِ؟.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَحْوِيٍّ وَلَا مُحَاطٍ بِهِ، فَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَنَا وَفِي مَذْهَبِنَا؛