كل شيء، ولا إذا استحسنت لفظ ما لم يسم فاعله في قوله: (وأنكر صاحب) فإنه ينبغي ألا تراه في مكان إلا أعطيته مثل استحسانك هاهنا، بل ليس من فضل ومزية إلا بحسب الموضع، وبحسب المعنى الذي تريده، والغرض الذي تؤم وإنما سبيل هذه المعاني سبيل الأصباغ التي تعمل منها الصورة والنقش، فكما أنك ترى الرجل قد تهدى في الأصباغ التي عمل منها الصورة والنقش في ثوبه الذي نسج إلى ضرب من التخير والتدبر في أنفس الأصباغ، وفي موقعها، ومقاديرها، وكيفية مزجه لها، وترتيبه إياها إلى ما لم يتهد إليه صاحبه فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب، وصورته أغرب، كذلك حال الشاعر والشاعر في توخيهما معاني النحو ووجوهه التي علمت أنها محصول النظم" (?).
فعبد القاهر الجرجاني يدرك الفروق والوجوه التي تنشأ عن توخي معاني النحو فيما بين بكلم، أي الناشئة عن النظم، والتي أدركها القاضي الجرجاني بطبعه ولم يستطع الإفصاح عنها، ولكنه يستدرك فيبين أن المزية ليست لتلك الفروق في أنفسها، ولكنها تعرض لها بحسب المعاني والأغراض التي يصاغ لها الكلام بحسب موقع بعضها من بعض واستعمال بعضها مع بعض.
وهذا ما يقصده القاضي الجرجاني بقوله: "ولا يقابل بين الألفاظ ومعانيها ولا يسير ما بينهما من نسب ولا يمتحن ما يجتمعان فيه من سبب" (?).
وبقوله: "فإن خلص إليهما فبأن يسهل بعض الوسائل إذنه ص 75، ويمهد عندهما حاله، فأما بنفسه، وجوهره، وموقعه، ومكانه فلا" (?).