ولكنه لم يعلق عليها مبيناً سبب استحسانه لها واستجادته إياها؛ فيأتي عبد القاهر الجرجاني فيبين ذلك السبب؟

فلا يرجعه إلى صور بيانية أو بديعية، أو غيرهما مما هو راجع إلى الصنعة الخارجية؛ وإنما يرجعه إلى المعاني الناشئة عن النظام فيقول:

"وإذ قد عرفت ذلك فاعمد إلى ما تواصفوه بالحسن، وتشاهدوا له بالفضل، ثم جعلوه كذلك من أجل النظم خصوصاً دون غيره مما يستحسن له الشعر أو غير الشعر من معنى لطيف. أو حكمة، أو أدب، أو استعارة، أو تجنيس، أو غير ذلك مما لا يدخل في النظم وتأمله؛ فإذا رأيتك قد ارتحت واهتززت واستحسنت؛ فانظر إلى حركات الأريحية مم كانت؟ وعند ماذا ظهرت؟ فإنك ترى عياناً أن الذي قلت لك كما قلت: أعمد إلى قول البحتري":

بلونا ضرائب من قد نرى ... فما إن رأينا لفتح ضريبا

ويتم الأبيات السابقة، ثم يقول:

"فإذا رأيتها قد راقتك، وكثرت عندك، ووجدت لها اعتزازاً في نفسك، فعد فانظر في السبب، واستقصر في النظر؛ فإنك تعلم ضرورة: أن ليس إلا أنه قدم وأخر، وعرف ونكر، وحذف وأضمر، وأعاد وكرر، وأتى مأتى يوجب الفضيلة، أفلا ترى أن أول شيء يروقك منها: قوله: (هو المرء أبدت له الحادثات) ثم قوله: (تنقل في خلقي سؤود) بتنكير السؤود، وإضافة الخلقين إليه، ثم قوله: (فكالسيف) وعطفه بالفاء مع حذفه المبتدأ. لأن المعنى - لا محالة - فهو كالسيف، ثم تكرير الكاف في قوله: (وكالبحر) ثم أن قرن إلى كل واحد من التشبيهين شرطاً جوابه فيه، ثم أن أخرج من كل واحد من الشرطين حالاً على مثال ما أخرج من الآخر، وذلك قوله: (صارخاً) هنالك، و (مستثيباً) ههنا؟ " (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015