ولا تقوم أجزاء الكلام إلا على هذه الأمور الثلاثة: (لفظ حامل، ومعنى قائم، ورباط لهما ناظم).

ومن هنا كانت فكرة النظم - كما ترى - وهي الفكرة التي استقى منها عبد القاهر الجرجاني، ومن كتابات أخرى تالية لها حتى نضجت نظرية متكاملة، واضحة المعالم والخطوط في كتابه "دلائل الإعجاز".

وأما أن النظم هو أساس صور البيان - كما سيتضح لك عند الحديث عن النظم عند عبد القاهر - فقد استقاها من قول الخطابي:

"وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر؛ لأنها لجام الألفاظ، وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض، فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان" (?).

على أن الخطابي قد وجد لإعجاز القرآن الكريم وجهاً آخر، وهو: صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة، قد عراها الوجيب والقلق وتغشاها الخوف والفرق؛ تقشعر منه الجلود، وتنشرح له القلوب، يحول بين النفس ومضمراتها وعقائدها الراسخة فيها.

فكم من عدو للرسول - صل الله عليه وسلم - من رجال العرب وفتاكها أقبلوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015