ويذهب بينها المرئي لغواً ... كما ألغيت في الدية الحوارا
فوضعها ذو الرمة في قصيدته، ثم مر به الفرزدق، فسأله عما أحدث من الشعر، فأنشد القصيدة، فلما بلغ هذه الأبيات، قال: ليس هذا من بحرك، مضغها أشد لحيين منك! قال: فاستدركها بطبعه، وفطن لها بلطف ذهنه (?).
فلا بد - إذن - من سبب لاستحسان كلام دون آخر.
وبحث عن السبب فوجده، ولم يتعد هذا السبب: النظم.
والسبب الحقيقي - في رأي الخطابي - أن أجناس الكلام مختلفة؛ فمنها: البليغ الرصين الجزل، ومنها: الفصيح الغريب السهل، ومنها: الجائز الطلق الرسل.
والقسم الأول: هو أعلى طبقات الكلام وأرفعه.
والقسم الثاني: هو أوسط الكلام وأقصده.
والقسم الثالث: هو أدناه وأقربه.
وقد حازت بلاغة القرآن الكريم من كل هذه الأقسام الثلاثة حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة فانتظم بامتزاج هذه الأوصاف الثلاثة نمط من الكلام يجمع بين الفخامة والعذوبة، فكان اجتماع هذين الأمرين - الفخامة والعذوبة - في نظمه، مع نبو كل منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن الكريم.