ومنها يقول:

ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

وبعد البيت قوله:

وأعددته ذخرا لكل ملة ... وسهم الزرايا بالذخائر مولع

وأني وإن أظهرت منى جلادة ... وصانعت أعداء عليه لموجع

والشاهد قوله: {ولو شئت أن أبكي دما لبكيته} حيث صرح بمفعول المشيئة وهو (أن أبكى دما) لأنه من الغرابة بمكان أن يريد الإنسان بكاء الدم، ولهذا صرح به - وإن كان الجواب دالا عليه - ليتقرر في ذهن السامع، فتأنس النفس إليه.

ومن هذا القبيل: قوله تعالى: " لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ" لأنه من الغرابة بمكان أن يتخذ رب العالمين ولدا.

وقد يذكر الشاعر مفعول المشيئة وهو غير مستغرب، وذلك لأن الواقع بعده لا يدل عليه، لأنه ليس من نوعه:

ومما جاء على هذه الطريقة قول أبي الحسن علي بن أحمد الجوهري، أحد شعراء الصاحب بن عباد:

فلم يبق مني الشوق غير تفكري ... فلو شئت أن أبكى بكيت تفكرا

الشاعر يريد أن يبالغ في فنائه ونحوله، حتى إنه لم تبق فيه مادة سوى التفكير، فالبكاء الذي أراد إيقاع المشيئة عليه هو بكاء الدمع، وأراد بالبكاء الثاني: بكاء التفكير، ولهذا فإنه لا يصلح للبكاء الثاني بياناً للبكاء الأول لمباينته له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015