فالشاعر يرجو لبنى جعفر حسن الجزاء: لأنهم أقالوا عثرته حين زلت قدمه، وقد احتملوا في سبيل ذلك عنتا شديداً لا تحتمله أم لأبنها، وقد مزجوه بأرواحهم وآووه في غرف أورثته الدفء والظل.
والشاهد هنا قوله: "أدفأت"، "أظلت" حيث نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم قاصدا بذلك التوفر على إثبات الفعل للفاعل دون نظر إلى التعلق بمفعول، ليكون أن الشأن في مثل هذه الحجرات أن تدفئ وتظل كل من آوى إليها مبالغة.
ولا يخفى على من له ذوق بلاغي أنه لو ذكر لمفعول، لاختفى هذا المعنى اللطيف.
وهذا التفسير - وهو أن يحذف المفعول لتتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل، ليكون المعنى: أن الفعل من شأنه وطبيعته أن يثبت للفاعل - هو ما رآه الإمام عبد القاهر.
ولكن الخطيب قد رأى أن المفعول إنما حذف هنا ليكون الفعل مطلقا عن التقييد بالمفعول كناية عنه مقيداً بمفعول خاص، بادعاء الملازمة بينهما.
فقد جعل مطلق الرؤية - في بيت البحتري - كناية عن رؤية آثار الممدوح، كما جعل مطلق السماع كناية عن سماع إخباره، إذ يلزم من إثبات الرؤية، أو السماع على جهة الإطلاق: رؤية آثاره وسماع أخباره وهكذا يقال في الأمثلة التالية.
والثاني: أن يقصد تعلق الفعل بمفعول وأن يراعى في الكلام ويلتفت إليه، وحينئذ يجب تقدير هذا المفعول بحسب القرينة الدالة، إن عاما فعام وإن، خاطا فخاص، يعي إذا كان المدلول عليه بالقرينة عاما فاللفظ المقدر