ولم يكن حرص قضاة الإسلام أنفسهم على تلك المعاني بأقل من حرص ولاة الأمور فقد كان القاضي في مجلس قضائه محترما مهيبا لا تأخذه في الحق لومة لائم يسوي في مجلسه بين الأمير والحقير وبين الشريف والوضيع وقد روت لنا كتب التاريخ بعض الأمثلة على ذلك منها: دخل الأشعث بن قيس على القاضي شريح في مجلس الحكومة فقال شريح: مرحبا وأهلا وسهلا بشيخنا وسيدنا، وأجلسه معه، فبينما هو جالس معه إذ دخل رجل يتظلم من الأشعث فقال له شريح: قم فاجلس مجلس الخصم وكلم صاحبك، فقال بل أكلمه في مجلسي فقال له: لتقومن أو لآمرن من يقيمك، فقام امتثالا لأمر القضاء، ويروي أبو يوسف وهو من أفذاذ القضاة عن نفسه: أنه جاءه رجل يدعي أن له بستانا في يد الخليفة فأحضر الخليفة إلى مجلس القضاء وطلب من المدعي البينة فقال: غصبه المهدي مني ولا بينة لدي وليحلف الخليفة، فقال أمير المؤمنين: البستان لي اشتراه لي المهدي ولم أجد به عقدا فوجه القاضي أبو يوسف إلى الخليفة اليمين ثلاث مرات فلم يحلف الخليفة فقضى بالبستان للرجل كتب الخليفة أبو جعفر المنصور إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد، وفلان التاجر