بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الرحيم لمن أطاعه؛ المنتقم ممن عصاه.
وعد على طاعته حسن ثوابه؛ وأوعد على معصيته سوء عذابه.
وبعد ... . فإن الدنيا مزرعة الآخرة؛ فيجب على العاقل أن يطلب نعيم الآخرة الذي لا يزول ولا يحول.
وتحصيل ذلك النعيم منوط بامتثال أمر الشارع والانزجار على نهيه.
وقد خص الله الإنسان بالمنقبة التي كرمه بها على كثير من المخلوقات.
وإنما يحوز هذه الفضيلة؛ بالصفات الحميدة التي ركبت فيه؛ وندب إليها، واستعماله إياها.
وليس يتهيأ له بقاء مدة العالم إلا بالحرث والنسل اللذين جعلا سببا للعمارات في دار الدنيا؛ ولا يمكن قوام الحرث والنسل مع العيش الرفه إلا بالصناعات المختلفة ولزمة الحاجة إلى أن ينفرد كل طائفة منهم بنوع من أنواعها؛ فتنتظم بذلك معايشهم.
فصار كل واحد منهم خادما أو مخدوما، فتم على الكل بذلك النعمة، وكان بينهم بون بعيد؛ وتفاضل كثير وقد ركب في أصل بنيتهم، وأساس جبلتهم قوى شهوانية ينزعون بها إلى المشتهيات من أصناف الملاذ، حتى يتناولوا من حيث يجدوا السبيل إليها، وتغلبوا بجهدهم مبلغ قوتهم عليها؛