قومٌ لهم ساحة العراقِ إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلمُ

وكما ذكروا موسى وداؤود صاحبي التوراة والزبور كذلك ذكروا السيد المسيح مع ذكرهم لإنجيله الشريف وهم يدعونه "عيسى". روى ابن العربيّ في محاضرة الأبرار عن لسان قسّ بن ساعدة أسقف نجران: "الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث ولم يخلق الناس سدى من بعد عيسى واكترث ... ".وفي اسم عيسى هذا سر من أسرار الإشتقاق الغريبة. قال في التاج: "قال الجوهريّ عيسى عبراني أو سريانيّ. قال الليث: هو معدول عن أيشوع كذا يقول أهل السريانيّة" على أنّ عدولهم هذا من باب الغرائب. ولا نجد علماً قد تبدل في العربيّة على هذا المنوال. وعندنا أنّ هذا التبديل جرى على يد اليهود الذين أدخلوه في العرب بغضاً بالنصارى فدعوا يسوع باسم عيسى أو عيسو وهو أخو يعقوب الذي نفاه الله من شعبه وكان هو وقومه الآدميون يعدون رجساً في بني إسرائيل فقلبوا اسم يسوع ونقاوا عينه إلى أوّله فجعلوا الرأس ذنباً وزعم بعضهم أنّ أصل عيسى "عوسى" قلبوا الواو ياء فصارت "عيسى" قال أميّة بن أبي الصلت:

وفي دينكم من ربّ مريم آيةٌ ... منبئةٌ بالعبد عيسى بن مريمِ

وللسيّد يسوع اسم آخر أشيع منه وهو "المسيح" من العبرانيّة "كلمة سريانية" والسريانيّة "كلمة سريانية" وهما كالعربيّة مسيح واليونانيّة "كلمة سريانية" أي الممسوح بدهن الكهنوت والملك كما كانوا يفعلون بأحبار بني إسرائيل وملوكهم وقال العرب غير ذلك. روى في تاج العروس عن شمّر "إنّ المسيح دعي بذلك لبركته أي لأنه مسح بالبركة. وقال الراغب: سمي عيسى بالمسيح لأنه مسحت عنه القوّة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة ... وفي بعض الأقاويل المسيح من السيّح لأنه كان يسيح في البراري ويذهب في الأرض فأينما أدركه الليل صفّ قدميه وصلّى حتى الصباح". وكل هذه آراء ضعيفة والصواب ما قلناه أنه من المسح. وقد تكرّر اسم المسيح في الشعر القديم. قال عمرو بن عبد الحق ويروى لغيره:

وما قدّس الرهبان في كلّ هيكل ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما

وروي للسموءل قوله:

وفي آخر الأيّام جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلامَ التكاملِ

وقال أميّة يذكر مجئ المسيح في آخر الأزمنة ليدين البشر:

أيّام يلقى نصاراهم مسيحهمُ ... والكائنين لهُ ودّاً وقربانا

وذكر آخر محاربة السيّد المسيح للمسيح الدجال وانتصاره عليه:

إذِ المسيحُ يقتلُ المسيحا

وكانوا يسمّون المسيح "بالأبيل" ومعناه الناسك والزاهد بالدنيا ودعوه بأبيل الأبيلين لأنه كان بزهده قدوة الرهبان كما مّر بك.

وقد عظّموا ليلة مولد المسيح فدعوها ليل التمام. قال في اللسان: "قال عمرو بن شميل: ليل التمام أطول ما يكون من الليل..قال الأصمعيّ. ويطول ليل التمام حتى تطلع فيه النجوم كلها وهي ليلة ميلاد عيسى ... والنصارى تعظمهاوتقوم فيها".

ولم يذكروا فقط السيّد المسيح بل ذكروا أمّه مريم العذراء كما رأيت. وذكروا القديس يوحنا الصابغ المتقدّم أمام وجهه وذكروا تلامذته. وممارووا عن (مريم العذراء) بتوليَّتها وبشارة الملاك إليها بابنها الالهيّ وحبلها الطاهر بابنها من الروح القدس. ورد ذلك في القرآن وسبقهُ امية بن أبي الصلت فقال وفي قوله نظرٌ لما أدخله فيه من المزاعم المنقولة عن الأناجيل غير القانونيَّة:

وفي دينكم من ربّ مريم آيةٌ ... منبّئةٌ بالعبد عيسى بن مريمِ

أنابتْ لوجه الله ثمَّ تبتّلت ... فسبَّح عنها لومةَ المتلوّمِ

فلا هي همَّت بالنكاح ولا دنَتْ ... إلى بشر منها بفرجٍ ولا فمِ

ولطَّت حجابَ البيت من دون أهْلها ... تغيَّبُ عنهم في صحاريِّ رِمْرِمِ

يحارُ بها الساري إذا جنَّ ليله ... وليس وإن كان النهارُ بمُعْلَمِ

تدلّى عليها بعد ما نام أهلُها ... رسول فلم يَحْصَر ولم يَتَرمرَمِ

فقال: أََلا تجْزَعي وتكذّبي ... ملائكةً من ربِّ عاد وجُرْهُمِ

أنيبي وأعطي ما سُئلتِ فإنَّني ... رسولٌ من الرَّحمانِ يأتيكِ باُبنمِ

فقالت له أنّى يكون ولم أكُنْ ... بغيّاً ولا حُبْلى ولا ذاتِ قيِّمِ

أَأَحرجُ بالرَّحمان إن كُنتَ مؤمناً ... كلاميَ فاقعُد ما بدا لكَ أو قمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015