أصالحكم حتى تبؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها

ومما لا شبهة فيه عن إيمانهم بالمسيح قول عمر بن عبد الحق:

وما قدسَّ الرهبان في كل بيعةٍ ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما

قال في اللسان (13: 6) : وكانوا يعظمون الأبيل ويحلفون به. وحلف عدي ابن زيد بالقربان ودعاه الشبر (إصلاح المنطق 169) .

إذ أتاني خبر من منعم ... لم أخنه والذي أعطى الشبر

(الختانة) معلوم أنه لا ذكر للختانة مطلقاً في القرآن وإنما يجري عليها المسلمون بموجب السنة والتقليد. والشائع بين الكتبة المحدثين أن العرب قبل الإسلام كانوا يختتنون. وفي زعمهم هذا نظر فإن لنا عدة شواهد تثبت أن كثيرين من العرب لم يألفوا الختانة ومن المحتمل أن النصرانية أبطلتها بينهم. روى ساحب الأغاني لحاجب يزيد بن المهلب أبياتاً في هجو اليمن ومما ينسبه إليهم أنهم غرل غير مختتنين قال (13: 51) .

فلَّلزنج ُخيرٌ حين تنسب والداً ... من أبناءِ قحطانَ العفاشلةِ الغرلِ

وجاء في التاج (2: 324) بيت للفرزدق عن آل حوران غير المختتنين. وكذلك هجا حريث بن عناب بني ثعل ودعاهم بالغلف (أغاني 13: 103) . ومما ورد في نقائض جرير والفرزدق (ص 669) أن بني عامر يوم شعب جبلة قتلوا ثمانين غلاماً أغرل. وفي آمالي القالي (3: 46) ما يثبت رأينا قال: "روى الأصمعي عن سلم بن قتيبة قال: كانت أياد ترد المياه فيرى منها مائتا شاب على مائتي فرس بشية واحدة وكانوا أعد العرب وأنهم استقلوا بعشرين ألف غلام أغرل فأوغلوا حتى وقعوا ببلاد الروم".

وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه في وصف أيام العرب أنه كان ... ، 60 منهم غلفاً دون ختانة. فلا شك أن النصرانية بانتشارها في جزيرة العرب قبل السلام كانت أبطلت تلك السنة بين كثير من القبائل.

(الحجاب) قد فرض الشرع الإسلامي التحجب على نساء المسلمين. وليس المسلمون أول من سبقوا إلى الأمر به. فإن الأمم القديمة كانت تحجب الفتيات إلى عهد زواجهن فإذا تزوجن أسفرن عن وجوههن. ولنا على ذلك شواهد في سفر التكوين (24: 65 و 38: 14) . وقد ورد مثل هذا في الآثار الآشورية والرومانية وغيرها. وكذلك الكنيسة لم تزل توصي النساء بالحشمة وتغطية رؤوسهن ولا سيما وقت الصلاة في الكنيسة (1 كور 11: 3 17) .

على أن صاحب الشريعة الإسلامية عمم ذلك وفرض به غلى جميع النساء مطلقاً ناهياً عن سفور وجوههن ألا بازاء أقاربهن الأدنين. وهذه سنتهم إلى يومنا ألا من تقلدوا الآداب العصرية وتمثلوا بأمم الغرب فيعتبرون الحجاب مضراً بتربية الإناث مانعاً لترقية جنسهن باخساً من قدرهن.

وما لا شك فيه أن عرب البادية لا يحجبون نساؤهم. تلك عادة جروا عليها منذ القديم. وما القناع والنصيف والخمار ألا أكسية كانت نساؤهم يسترون بها رؤوسهن دون الوجوه وعلى الأقل دون العيون كما ترى في وصاوص المصريات. وفي الشعر الجاهلي ما يؤيد زعمنا قال المثقف العبدي (المفضليات ص 579) :

أرينَ محاسناً وكننَّ أخرى ... من الأجياد والبشرِ المصونِ

وورد هناك بين الشروح عن منجول البراقع: "لا يلبس منجول البراقع ألا الحسان لأنهن يحببن أن ترى وجوههن منها لحسنها والقباح تلبس الوصاوص لضيقها حتى لا ترى وجوهها لقبحها. وقال عمر بن أبي ربيعة (المفضليات ص 259) :

ولمَّا تواقفنا وسلَّمت أقبلتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنَّعا

وروى في الحماسة (ص 553) : "ولما تفاوضنا الحديث وأسفرت". قال: "وهكذا كانت نساء العرب تفعل إذا كانت جميلة" بل نبذت كثير من نساء الإسلام الحجاب كما روى المؤرخون. أخبر الصفدي في شرح لامية العجم (1: 68) : "كانت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله لا تستر وجهها بشيء فلما دخل بها مصعب ابن الزبير كلمها في ذلك فقالت: أن الله عز وجل قد وسمني بوسم جمال فأحببت أن يراه الناس والله ما في وصمة أستتر لها".

وقد ذكر صاحب الأغاني (10: 128) أن الخليفة المأمون كان يخرج إلى الشماسية ليتنزه بعد قدومه من خراسان. ثم أخبر أن إبراهيم المصلي دخل إليه "وهو يشرب مع الجواري وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت من لم يلدن".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015