"قالوا كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذي يكتب في رؤوس الطوامير من "قل هو الله أحد" وغيرها من ذكر الله، فكتب إليه ملك الروم: أنكم أحدثتم في قراطيسكم كتاباً ننكره فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه، (قال) فكبر ذلك في صدر عبد الملك فكره أن يدع سنة حسنة سنها فأرسل إلى خالد بن يزيد ابن معاوية فقال له: "يا با هشام إحدى بنات طبقٍ" وأخبره الخبر فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها وأضرب للناس سككاً ولا تعف هؤلاء الكفرة مما كره في الطوامير"، فقال عبد الملك: "فرجتها عني فرج الله عنك" وضرب الدنانير.

قال عوانة بن الحكم وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتنسبه إلى الروبية تعالى علوا كبيراً وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم فلذلك كره ملك الروم ما مكره واشتد عليه تغيير عبد الملك ما غيره".

وقد أتى هذا الخبر مفصلاً في كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي (502 ed, Schwally, p, 498) نقتطف منه ما يأتي: قال الكسائي: دخلت على الرشيد ذات يوم وهو إيوانه وبين يديه مال كثير قد شق عنه البدر شقاً وأمر بتفريقه في خدم الخاصة وبيده درهم تلوح كتابته وهو يتأمله وكان كثيراً ما يحدثني فقال: هل علمت من أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت: ياسيدي هذا عبد الملك بن مروان: قال: فما كان السبب في ذلك؟ لقت: لا علم لي غير أنه أول من احدث هذه الكتابة، فقال: سأخبرك كانت القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانياً على دين ملك الروم وكانت تطرز بالرومية وطرازها "آبا وابنا وروحاً قد بشا" (كلمة يونانية) فلم يزل كذلك صدر الإسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك فتبه عليه وكان فطيناً فينما هو ذات يوم ذا مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فأمر أن يترجم بالعربية ففعل ذلك فأنكره.. فأمر بالكتاب إلى عبد العزيز بن مروان وكان عامله بإبطال ذلك الطراز.. وإن يأخذ صناع القراطيس بتطريزها بسورة التوحيد..

ثم أخبر استياء ملك الروم من هذه الكتابة وتهديده بنقش شتم نبي الإسلام وكيف استقدم عبد الملك من المدينة محمد بن علي بن الحسين ليستشيره في ذلك فدله على ضرب سكك الدراهم والدنانير كما روى البلاذري عن خالد بن يزيد بن معاوية فأبطلت مذ ذاك السكك الرومية والطراز الرومي.

وقد ضرب أمراء المسلمين في أفريقيا والأندلس بعد فتحها نقوداً عليها أيضاً شارات النصرانية كالصليب واسم السيد المسيح بالاتينية مع أسماء الأمراء المسلمين وقد سبق لنا القول أن السلجوقيين في بلاد الروم والارتقيين في ما بين النهرين ضربوا أيضاً نقوداً عليها صور ملوك النصارى مع علامات النصرانية بينها صورة السيد المسيح والبتول مريم والدته الطاهرة (أطلب مجلة المشرق 18 [1920] : 799) .

(التعليم) ومن الصنائع الشريفة التي دخلت بين العرب بفضل النصرانية صناعة التعليم، وكان شيوع المدارس أولاً بين الأمم المجاورة للعرب كالكلدان والسريان في العراق وما بين النهرين وكالروم في جهات الشام وفلسطين فلما تنصر العرب أخذ أحداثهم يترددون على المعلمين المنصوبين للتعليم في الجهات المجاورة لمساكن قبائلهم في مدارس كانوا يدعونها بالاسكولات وهي كلمة دخيلة استعارها السريان من اليونانية (كلمة يونانية) اشتهر منها مدارس الرها ونصيبين والمدائن والحيرة ودمشق، ومع أن التعليم في هذه المدارس كان في السريانية أو اليونانية لم يعدم العرب فيها وسائل لدرس لغتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015