(الطب) قال صاعد (ص47) : "إن صناعة الطب كانت موجودة عند جماهير العرب لحاجة الناس طراً إليها" لكن هذا العلم قد اكتسبوه من الأمم النصرانية المجاورة ولاسيما الكلدان والسريان واليونان. وكذلك للسريان مدارس طبية ومستشفيات في العراق وفارس في جنديسابور وكذلك اليونان اشتهرت مدرستهم الطبية في الإسكندرية. فإن تصفحنا التواريخ القديمة وجدنا أن الطب شاع بين العرب بواسطة حكماء نصارى أو متطبيين من تلامذتهم.

فممن سبقوا الإسلام وجاء ذكرهم في تواريخ الأطباء تيادروس. قال ابن النديم في الفهرست (ص303) ونقله عنه ابن أصيبعة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء (1: 307) : "تيادروس كان نصرانياً وله معرفة جيدة بصناعة الطب ومحاولة لأعمالها وبى له سابور ذو الأكتاف البيع في بلده ويقال أن الذي بنى له البيع بهرام جور ولتيادروس من الكتب كناش (أي مجموع طبي) ".

وقد سبق عهد الإسلام أيضاً أطباء سريان أو روم شاعوا عند العرب كاهرن بن أعين المعروف بالقس الذي وضع كناشاً بالسريانية في 30 مقالة قال ابن جلجل إن عمر بن عبد العزيز وجده في خزائن الكتب فأمر ماسرجويه اليهودي بإخراجه فوضعه في مصلاه واستخار الله في إخراجه للمسلمين للانتفاع به" (ابن أبي أصيبعة 1: 163) . وكشمعون الراهب المعروف بطيبويه (1: 109) وكسرجيس الراسعيني أول ناقل كتب اليونان إلى السريانية. وكسرابيون ويوحنا ابنه من أهل باجرمي. فليوحنا كتاب كناش كبير في سبع مقالات. وذكر ابن بختيشوع في تاريخه من الأطباء الروميين اصطفن الحراني وأقرن الرومي (تاريخ الحكماء للقفطي ص56) وذكروا طبيبً آخر رومياً يدعونه انسطاس ولم يعرفوا زمانه ضربوا به المثل في الحذق بالطب. وقيل من اسمه اشتقوا اللفظة العربية النّطس أو النطاسي (تاج العروس 4: 258) .

قال أوس بن حجر يذكر رجلاً من تيم الرباب اسمه حذْيم ضرب المثل بحذقه في الطب:

فهل لكمُ فيها إليّ فإنّني ... طبيبٌ بها أعيا النّطاسيّ حذيما

وأشهر من هؤلاء الحارث بن كلدة الثقفي المعروف بطبيب العرب كان من نصارى النساطرة. وقد اتسع في ترجمته وذكر مآثره الطبية كثيرون من كتبة العرب كالقفطي في تاريخ الحكماء (ص161) وابن أبي أصيبعة (1: 109) وابن قتيبة في المعارف (ص98) وذكر له ابن عبد ربه شعراً (في العقد الفريد 3: 114) قالوا أنه كان من الطائف وسافر إلى بلاد فارس وأخذ الطب من نصارى جنديسابور وغيرها وبرز في صناعة الطب وطبب في فارس وعالج بعض أجلائهم فبرئوا وحصل له بذلك مال كثير ثم رجع إلى بلده الطائف وأدرك الإسلام فاتخذه صاحبه كطبيب. وكان محمد يأمر من به علة أن يأتيه وبقي إلى أيام معاوية. قال أبو زيد: "وكانت للحارث معالجات كثيرة ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه". وقد ذكروا له حكماً وأقاويل عديدة تدل على ثقوب عقله وكثرة علمه. وقالوا أنه أسلم لكن إسلامه لم يصح.

وتبع الحارث ابنه النضر بن الحارث بن كلدة وهو ابن خالة نبي المسلمين قال ابن أبي أصيبعة (1: 113) : "وكان النضر قد سافر البلاد أيضاً كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها وعاشر الأحبار والكهنة واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلّم من أبيه أيضاً ما كان يعلمه من الطب وغيره". ثم ذكر معاداته لمحمد وسعيه بأذاه إلى أن كان يوم محمد يوم انتصر محمد وأنصاره على أعدائهم وكان النضر من جملة المأسورين فأمر بقتله (سنة 624م) . وقد روينا سابقاً رثاء أختله قتيلة له (اطلب الأغاني 1: 10) وقول محمد عندما سمع أبياتها: "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015