وقد استبان علماء المستشرقين في عهدنا تأثير الهندسة النصرانية في أبنية الإسلام الدينية. فإن المسلمين عند الفتح العربي لم يحولوا فقط كنائس النصارى إلى جوامع ومساجد كما يتفق عليه المؤرخون لكنهم تقلدوا أيضاً هندسة البيع المسيحية فأنهم إذ كانوا يجهلون فن البناء كما قال ابن خلدون التجأوا في الشام والعراق ومصر والأندلس إلى مهندسين وطنيين مسيحيين كان البعض منهم دانوا بالإسلام فهؤلاء جروا في تشييد مقامات الإسلام الدينية على اعتادوه في أوطانهم وقد درس الأختصاصيون بقايا تلك الأبنية فقابلوا بين كل أقسامها الكنائس الوطنية فاثبتوا العلاقة التامة بينهما حتى في أخص مميزات الجوامع كالقبلة والمحراب والمنبر والمأذنة والحرم فإن كل ذلك منقول دون فرق يذكر عن المباني النصرانية التي وجدها العرب في فتوحاتهم. وقد بين ذلك العلامة جيرودي برانجه (Ciraud de Prangey) في كتابين ممتعين خصهما بأبنية العرب في الأندلس وصقيلة ومراكش (أطلب الجرنال الأسيوي J.صلى الله عليه وسلمs. I842a, 336 - 357) والمستشرق الأختصاصي فان بركم Max Van رضي الله عنهerchem)) في مقالة بديعة نشرها هناك (J.صلى الله عليه وسلمs. I89Ia, 4II- 495;) وفي كتاب الصناعة العربية للمهندس غاية (صلى الله عليه وسلم.Caye: L' صلى الله عليه وسلمrt arabe) وغيرهم فكلهم لسان واحد في إثبات شبه مباني الإسلام الدينية بالكنائس النصرانية في ذلك العهد. فمنها ما يشبه الطرز القبطي ومنها ما هو أشبه بالطراز البوزنطي أو الطرز السوري على اختلاف الصنعة والبنائين النصارى الذين كانوا ملتزمين العمل بحيث لا يجوز أن يدعى بناؤها بهندسة عربية البتة. فشتان بين قولهم ورأي بعض المتهوسين كالمسيو سيديليو والمسيو غوسياف لوبون الذين بخسوا حقوق اليقين ونسبوا إلى العرب ما كان للذميين.

"الهندسة المدنية" قد اتسعنا في ذكر الهندسة النصرانية الدينية في عهد الجاهلية أوائل الإسلام بين العرب. وفي جزيرتهم أيضاً أبنية غيرها مدنية كالقصور والحصون وغير ذلك مما يشيده الملوك والذوات لأغراضهم الخاصة أو لشؤون مملكتهم وهذه الآثار كثيرة في كل أنحاء العرب ولا سيما في ممالكها الثلث أي التبابعة في اليمن والمناذرة في العراق والغساسنة في الشام ورد شيء من ذكرها في الشعر الجاهلي والتقليد القديم وكشف عن بعضها أصحاب الرخل إلى جزيرة العرب في الحقبة الأخيرة فهذه المباني لا يعرف لها تاريخ وال تذكر أسماء بناتها ولا جرم أن للنصارى في قسم منها نصيباً صالحاً.

وان باشرنا بالعراق وشمالي الجزيرة وجدنا في شعر الأسود بعض قصور لآلمحرق ولبني إياد فقال:

ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إيادِ

وأهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد

فهذه القصور بنيت لملوك نصارى وقد تولى بنائها مهندسون نصارى ذكروا أحدهم وهو رجل رومي يقال له سنمار بنى الخورنق للنعمان الكبير (ياقوت2: 491) وقد اطرأ العرب محاسن الخورنق دون أن يدققوا في وصف بنائه ولعله القصر القصر الذي زاره المستشرق البارع لويس ماسينيوس سنة 1908 المعروف بقصر الأخيضر وألفت إليه نظر العلماء في جمعية الكتابات والفنون سنة 1909 ثم زارته الآنسة الإنكليزية مس بل سنة 1910 وأحسنت وصفه قي كتابها المدعو (amurath to صلى الله عليه وسلمmurath) وأثبتت صوره (ص147 -158) وهو بناء عظيم ذو طابقين تدل بقاياه الجليلة على عظم شأنه أما اسمه الاخيضر فقد اختلفوا في أصله ولعل اصح ما قيل فيذلك أنه تصحيف الأكيدر صاحب دومة الجندل النصراني الذي مر لنا أن ذكره (ج1 ص 108) وقد جاء هناك عن البلاذري أن عمر بن الخطاب نفاه من وطنه لمخالفته دين الإسلام فنزل موضعاً قرب عين تمر في حهات العراق وبنى به منازل سماها دومة باسم حصنه (راجع محلة لغة العرب 2: 47) ومما ذكره ياقوت في معجم البلدان (4: 116) من الأبنية النصرانية المدنية قصر العدسيين فقال" إنه في طرف الخيرة لبني عمار بن عبد المسيح نسبوا إلى جدتهم عدسة بنت عوف الكبي"ولاشك في أن النصارى هم الذين شيدوا للخلفاء وأمراء العراق مبانيهم فإن الألمانيين أرباب الحفريات في سامرا وجدوا بين أنقاضها صوراً وتماثيل أشخاص بألوانها مع رسوم هندسية متنوعة وصلبان كثيرة موقعة باسم شماس نسطوري بارع بالتصوير ورد اسمه على صورة الاسم الكلداني "مسمس" (سرياني) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015