إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فال: من يعمل لي نصف نهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود على قيراط قيراط ثم عملت النصارى على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين فغضب اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءاً قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً، قالوا: لا قال فذلك فضلي أؤتيه من أشاء".

1 الحكم

وكذلك أبو الحسن علي بن هذيل (ص88 89) روى مثل السيد المسيح للزراع الذي وقع في الطريق وبين الأشواك وعلى الصخور وفي الأرض الجيدة (لوقا ف8) ونسبه إلى بعض الحكماء قال: "وقد ضب بعض الحكماء مثل الحكمة والحكيم الذي يلقيها إلى القلوب قال: أن الباذر خرج ببذره الطيب ليبذره فنثره فوقع بعضه في أرض محجرة بل في جنبات الطريق فلم يلبث أن اختطفه الطير فذهب به ووقع بعضه في أرض محجرة إلا أن عليها نجىً وطيناً فرسخ البذر في ذلك الندى والطين ونبت شيئاً حتى إذا وصلت عروقه إلى الحجر لم يجد سماعاً ينفذ فيه فتلف وفسد ويبس، ووقع بعضه في أرض رخوة إلا أن فيها شوكاً نابتاً فنبت حتى إذا كان عند الإثمار حنة الشوك فلم يأت بثمره، ووقع بعضه في أرض طيبة نقية ليست على ظهر طريق ولا على حجر ولا فيهات شوط فنما وطاب وزكا ونبت وأثمر فجاءت الحبة بأضعاف مضاعفة، ثم فسره فقال: فالباذر هو الحكيم الزارع الحكمة في القلوب وبذره الطيب هو حكمته وموعظته الحسنة التي يلقيها إلى القلوب وهي في تلقاء ذلك منقسمة إلى الأقسام الأربعة المذكورة فمنها القاسي الذي إذا سمع الحكمة لم يعقد لقساوته فلم تلبث فيه، ومنها قلبٌ ظاهره رقة وباطنه قساوة فهو في أول سماع الحكمة يرق لها ويلذ بسماعها ويحن إلى ذلك بتلك الرقة الظاهرة على قلبه ولا يعقد عليها بعزم لقساوته، ومنها قلب يسمع الحكمة ويحبها ويحب العمل بها إلا أنه قلب قد امتحن بلصوق الشهوات به حتى صارت له طباعاً فإذا عزم على العمل بما سمع اعترضت له تلك الشهوات فمنعته من إقامة وظائفها وأفسدت عليه ما سمع اختلط عليه مره ولم يتم له مراده، ومنها القلب النقي الصافي العالم بفضل الحكمة المؤثر لها الذي لا همة له في غيرها ولا شغل له إلا بها ولم تعلق به شهوة تناقضها ولا داء يقطع عنها فهذا القلب الذي تنمي فيه الحكمة إيماناً وفماً وحفظاً وعلماً وقولاً وعملاً وتبلغ بع أفضل العواقب وأعلى المراتب".

فهذه كلها من الأناجيل يصاف إليها بعض أمثال من بقية أسفار العهد الجديد كقولهم (م1: 120) : "اترك الشر يتركك" وقولهم: (م2: 119) : "ليس أخو الشر من توقاه" فمثله قول القديس يعقب في رسالته (4: 7) : "قاوموا إبليس فيرب منكم" كان ابن سيراخ قال قبلاً (7: 1) : "لا تعمل الشر فلا يلحقك الشر".

ويقول العرب (م1: 193) : "كما تزرع تحصد" فهو كما قال بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (6: 8) : "الإنسان إنما يحصد ما زرع" وفي أمثال سليمان (22: 8) "من زرع حصد السوء".

وجاء في أمثال علي (ص8) : "جل من لا يموت" وقال الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموتاوس: "لله وحده الخلود.. له الكرامة والعزة المؤبدة".

ويضرب العرب المثل بالسحابة الفارغة من المطر المخيبة للآمال الزراع فقالوا (م2: 202) : "ما هو إلا سحابة ناصحة" وقالوا: (م1: 267) : "أرى خالاً ولا أرى مطراً" وكان الرسول يهوذا سبق وصف المنافقين بقوله (1: 12) : "هؤلاء سحبٌ بلا ماء تحملها الرياح".

ولعل مثلهم (م2: 197) : "ما أنت بخل ولا خمر" له علاقة بقول صاحب الرؤيا (3: 16) : "أنك لست بارداً ولا حاراً.. فقد أوشكت أن أتقيأك من فمي".

الجزء الثاني مع الفهارس

الفصل السادس

في ما ورد في الأسفار المقدسة من حكم العرب والحديث كنا انتهينا في فصلنا السابق إلى ذكر الأمثال التي أخذها العرب في الجاهلية أو أوائل الإسلام عن الأسفار المقدسة من العهدين القديم والحديث، ويلحق بهذا الباب باب حكم العرب مع الحديث المروي عن نبي الإسلام أفردنا لذلك هذا الفصل بحيث يظهر من المقابلة ما كان للنصرانية من النفوذ بين العرب في أواخر أيام الجاهلية وظهور الإسلام.

1 الحكم

جاء في ديوان سلامة بن جندل (ص19) :

عجلتم علينا حجتين عليكمُ ... ومهما يشأ الرحمنُ يعقد ويطلقِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015