إذا رأى أنه إن لم يخلصه بها، وقع في أشد منها، وهو أن يستهين بالمسألة، ويفتح فيها ما لا يجوز، فالأفضل للمفتي أن يفتح له بابا ويمشي به على طريق (?) فإنه إن سد عليه باب الشرع، فتح هو إلى الحنث بابا يقتحمه، وأخذ في طريق من المعصية يسلكه، ورأى أنه قد وقع في ورطة لا يبالي (?) ما صنع بعد ذلك. وهذه سيرة العلماء المتقدمين وطريقة الأحبار الراسخين. قد كان مالك رضوان الله عليه يفتي بأن من قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أنها تطلق عليه (?)، إذا تزوجها فلما سأله المخزومي عنها، له أو لغيره؟ قال له: لا شيء عليه. وكذلك كان ابن القاسم يفتي فيمن حلف بالمشي إلى مكة فحنث، أنه يلزمه المشي إليها. فلما وقعت المسألة لولده (?) أفتاه بمذهب عائشة رضي الله عنها، أنه يجزيه كفارة يمين، مخافة (?) أن يكلفه المشيء، فلا يفعله، فيستهين بمسألة في الدين، فيكون ذلك طريقا إلى غيرها، فيستهين أيضا بها، فأراد أن يخرجه عنها. ويحتمل أن يكون رأي ذلك ابن القاسم، فقال له ما رأى، والله أعلم.
وكذلك مسألة "الحلال عليه حرام" على اختلاف ألفاظها، وهي عشرة، وتعدد أحكامها وهي خمسة عشر قولا، وقد بيناها في "أحكام القرآن" وغيره، و (?) في المدونة في بعض الأقوال أنه لا شيء فيها. ومالك لم ير بهذا القول حرمة إلا إذا قصد به الزوجة. فأما لو قال: الحلال عليه حرام، فجعلها علماؤنا كناية (?) عن الزوجة، ينوي فيها في موضع، ولا ينوي في آخر. وقال في الحلال عليه حرام، له أن يحاشيها بقلبه، ويقول لم أنوها. وليس معه ما يحرم سواها، فإذا حاشاها بقي اللفظ لغوا (?) فلم يعده مالك بذيا (?) ورأى القول ساقطا. فإذا ضعفت المسألة عند العالم، كان ما تركب عليها أضعف مثل أن يحلف بالحلال عليه حرام، ألا يأكل كذا، فأكله ناسيا، فدخلت