الرؤيا أصلا، ولا يقل متى أحصل هذا؟ فإنه ليس المطلوب منها الغاية، فإنها لا تنالها إلا الأفراد، وإنما ينبغي لكل عاقل أن يتخصص بجزء جزء منها، ولا يفرد نفسه ببعض العلوم، فيكون إنسانا في الذي يعم، بهيمة فيما لا يعلم، ولا سيما من أقام عمره حسابا، أو نحويا، فقد هلك، فإنه بمنزلة من أراد صنعة شيء، فحشد (?) الآلة عمره، ثم مات، قبل عمل صنعته، ولا يصغ إلى من يقول له: تكن مقصرا في كل علم إذا فعلت هذا، والأولى بك أن تقف نفسك على علم واحد، فإنه قول جاهل بالعلم. إذ أخذ المرء نفسه بهذا القانون الذي رسمناه، سيعتمد (?) على ما يراه أوكد، ويجعل الباقي تبعا، وأنبئكم أني ما رأيت بعيني محيطا بهذه العلوم التي ذكرت لكم، ولا مشاركا فيها إلا واحدا (?)، فبان أن الإحاطة غير ممكنة، والمشاركة ممكنة، والإحاطة بعلم واحد غير ممكن. هذا النحو، ما علمت من أحاط به إلا سبويه، (?)، والفارسي (?) البدعي، وقد أفسدت عليه بدعته كثيرا من نحوه. وإذا فهمت هذا، فلا تنكر أن لا تجد عالما - إن وجدته - إلا واحدا، فإن الإسلام بدأ غريبا، وسيعو غريبا كما بدأ، حتى إنه لما بدأ من واحد، لا بد أن يعود إلى واحد، لا سيما في البلاد القاصية، والثغور النائية، وحيث يكون الثوار لبعدهم عن مقر الخلافة، ومعدن الإمامة، ولو شاهدتم الشام، والعراق في عشر تسعين وأربعمائة، لرأيتم دينا ظاهرا، وعلما وافرا، وأمنا متسقا، وشملا منتظما، لا تمكن (?) عبارة عنه لبهرة حاله، وزهرة كماله، فهبت عليه من المقادير جرجف من شمائل، وجنائب فتركت الشام كأمس الذاهب، ومحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015