وأخذ يدبّر فى قتل السلطان، وبلغ السلطان ذلك بعد أن خرج من القاهرة فتحرّز على نفسه بدربة وعقل ومعرفة ودهاء ومكر، حتّى صار فى أعظم حجاب من بكتمر وغيره. ثم أخذ هو أيضا يدبّر على بكتمر، وأخذ يلازمه فى الليل والنهار، بحيث إنّ بكتمر عجز فى الطريق أن ينظر إلى زوجته، فإنّه كان إذا ركب أخذ يسايره بجانبه ويكالمه من غير جفاء، وإذا نزل جلس معه، فإن مضى إلى خيامه «1» أرسل السلطان فى الحال خلفه، بحيث إنّه استدعاه- مرّة وهو يتوضّأ- بواحد بعد آخر حتّى كمل عنده اثنا عشر جمدار. فلمّا ثارت الريح بالمدينة قصد السلطان قتل بكتمر وولده أحمد تلك الليلة وهجموا على ولده أحمد فلم يتمكّنوا منه، واعتذروا بأنّهم رأوا حرامية وقد أخذوا لهم متاعا فمرّوا فى طلبهم، فداخل الصبىّ منهم الفزع، ثم زاد احتراز السلطان على نفسه، ورسم للأمراء أن يناموا بمماليكهم على بابه، ولمّا سار من المدينة عظم عنده أمر بكتمر، فلمّا كان فى أثناء الطريق سقى أحمد بن بكتمر ماء باردا فى مسيره، كانت فيه منيّته، ثم سقى بكتمر بعد موت ولده مشروبا فلحق بابنه، واشتهر ذلك، حتّى إنّ زوجة بكتمر لمّا مات صاحت وقالت للسلطان بصوت سمعها كلّ أحد:
يا ظالم، أين تروح من الله! ولدى وزوجى، فأمّا زوجى كان مملوك، وولدى، إيش كان بينك وبينه! وكرّرت ذلك مرارا فلم يجبها.
قلت: ولولا أنّ الملك الناصر سقى ولده أحمد قبله، وإلّا كانت حيلة الناصر لا تتمّ، فإنّ بكتمر أيضا كان احترز على نفسه وأعلم أصحابه بذلك. فلما اشتغل بمصاب ابنه أحمد انتهز الملك الناصر الفرصة وسقاه فى الحال. وأيضا لو بقى ولده ربما وثب حواشى بكتمر به على السلطان، وهذا الذي قلته على الظنّ منّى. والله أعلم. ويأتى أيضا بعض ذكر بكتمر الساقى فى الوفيات. انتهى.