فلما استقرّ السلطان بالميدان أحضر والى القاهرة نصرانيين قد قبض عليهما فأحرقا خارج الميدان، وخرج كريم الدين من الميدان وعليه التشريف، فصاحت به العامّة:

كم تحامى للنصارى! وسبّوه ورموه بالحجارة، فعاد إلى الميدان، فشقّ ذلك على السلطان، واستشار السلطان الأمراء فى أمر العامّة، فأشار عليه الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك بعزل الكتّاب النصارى، فإنّ الناس قد أبغضوهم، فلم يرضه ذلك، وتقدّم إلى ألماس الحاجب أن يخرج فى أربعة أمراء ويضع السيف فى العامّة حتى ينتهى إلى باب زويلة، ويمرّ كذلك إلى باب النصر ولا يرفع السيف عن أحد، وأمر والى القاهرة أن يتوجه إلى باب اللّوق وباب البحر ويقبض على من وجده من العامّة ويحمله إلى القلعة، وعيّن لذلك أيضا عدّة مماليك فخرجوا من الميدان، فبادر كريم الدين وسأل السلطان العفو فقبل شفاعته، ورسم بالقبض على العامّة من غير قتلهم، وكان الخبر بلغ العامّة ففرّت العامّة حتى الغلمان وصار الأمير لا يجد من يركّبه، وانتشر ذلك فغلقّت الأسواق بالقاهرة فكانت ساعة لم يمرّ بالناس أبشع منها، وهى من هفوات الملك الناصر. ومرّ الوالى بباب اللّوق وبولاق وباب البحر وقبض على كثير من الكلابزيّة «1» وأراذل العامّة بحيث إنه صار كلّ من رآه أخذه، وجفل الناس من الخوف وعدّوا فى المراكب إلى برّ الجيزة. فلمّا عاد السلطان إلى القلعة لم يجد أحدا فى طريقه، وأحضر إليه الوالى من قبض عليه، وهم نحو المائتين فرسم السلطان بجماعة منهم للصّلب، وأفرد جماعة للشّنق، وجماعة للتوسيط، وجماعة لقطع الأيدى، فصاحوا:

ياخوند، ما يحلّ لك، ما نحن الغرماء فرقّ لهم بكتمر الساقى وقام ومعه الأمراء، وما زالوا به حتى أمر بصلب جماعة منهم على الخشب من باب زويلة إلى قلعة الجبل، وأن يعلّقوا بأيديهم، ففعل بهم ذلك وأصبحوا يوم الأحد صفّا واحدا من باب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015