والى القاهرة وشمّ منهما رائحة الكبريت والزّيت، فأحضرهما من الغد إلى السلطان فأمر بعقوبتهما حتى يعترفا، فلما نزل بهما وجد العامة قد قبضت على نصرانىّ، وهو خارج والأثر فى يديه من جامع الظاهر «1» بالحسينيّة ومعه كعكة خروق وبها نفط وقطران، وقد وضعها بجانب المنبر، فلما فاح الدّخان أنكروا ووجدوا النّصرانىّ وهو خارج والأثر فى يديه كما ذكر فعوقب قبل صاحبيه، فاعترف أنّ جماعة من النصارى قد اجتمعوا وعملوا النّفط وفرّقوه على جماعة ليدوروا به على المواضع، ثم عاقب الراهبين فاعترفا بأنهما من دير «2» البغل وأنهما اللذان أحرقا سائر الأماكن نكاية للمسلمين بسبب هدم الكنائس، وكان أمرهم أنهم عملوا النّفط وحشوه فى فتائل وعملوها فى سهام ورموا بها، فكانت الفتيلة إذا خرجت من السهم تقع على مسافة مائة ذراع أو أكثر، فأمر السلطان كريم الدين الكبير يطلب البترك فطلبه وبالغ فى إكرامه على عادة القبطية، وأعلمه كريم الدين بما وقع فبكى، وقال: هؤلاء سفهاء، قد عملوا كما فعل سفهاؤكم بالكنائس من غير إذن السلطان، والحكم للسلطان، ثم ركب بغلة وتوجّه إلى حال سبيله، فكادت الناس أن تقتله، لولا حماية المماليك له، ثم ركب كريم الدين من الغد إلى القلعة، فصاحت عليه العوامّ وأسمعته ما يكره، فلما طلع كريم الدين عرّف السلطان بمقالة البترك واعتنى به، وكان النصارى أقرّوا على أربعة عشر راهبا بدير البغل، فقبض عليهم وعملت حفيرة كبيرة بشارع الصليبة وأحرق فيها أربعة منهم فى يوم الجمعة، واشتدّت العامّة عند ذلك على النصارى، وأهانوهم وسلبوهم ثيابهم وألقوهم عن الدوابّ إلى الأرض. وركب السلطان إلى الميدان فى يوم السبت وقد اجتمع عالم عظيم، وصاحوا: نصر الله الإسلام، انصر دين محمد بن عبد الله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015