فى تزيين القلاع المذكورة، وأقبل أهل الرّيف إلى القاهرة للفرجة على قدوم السلطان وعلى الزينة، فإنّ الناس كانوا أخرجوا الحلىّ والجواهر واللآلئ وأنواع الحرير فزيّنوا بها، ولم ينسلخ شهر رمضان حتّى تهيّأ أمر القلاع؛ وعمل ناصر الدين محمد ابن الشّيخىّ والى القاهرة قلعة بباب النصر فيها سائر أنواع الجدّ والهزل ونصب عدّة أحواض ملأها بالسّكّر واللّيمون وأوقف مماليكه بشربات حتّى يسقوا العسكر.
قلت: لو فعل هذا فى زماننا والى القاهرة لكان حصل عليه الإنكار بسبب إضاعة المال، وقيل له: لم لا حملت إلينا ما صرفته؟ فإنّه كان أنفع وخيرا من هذا الفشار «1» ، وإنما كانت نفوس أولئك غنيّة وهممهم عليّة، وما كان جلّ قصدهم إلا إظهار النّعمة والتفاخر فى الحشم والأسمطة والإنعامات حتى يشاع عنهم ذلك ويذكر إلى الأبد، فرحم الله تلك الأيام وأهلها!.
وقدم السلطان إلى القاهرة فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوّال، وقد خرج الناس إلى لقائه وللفرجة عليه، وبلغ كراء البيت الذي يمرّ عليه السلطان من خمسين درهما إلى مائة درهم، فلمّا وصل السلطان إلى باب النصر ترجّل الأمراء كلّهم، وأوّل من ترجّل منهم الأمير بدر الدين بكتاش الفخرىّ أمير سلاح وأخذ يحمل سلاح السلطان، فأمره السلطان أن يركب لكبر سنّه ويحمل السلاح خلفه فامتنع ومشى، وحمل الأمير مبارز الدين سوار «2» الرومى أمير شكار القبة، والطير على رأس السلطان، وحمل الأمير بكتمر أمير جاندار العصا، والأمير سنجر [الجمقدار «3» ] الدّبّوس؛ ومشى كلّ أمير فى منزلته وفرش كلّ منهم الشّقق من قلعته إلى قلعة غيره