ناحية وضرب رقاب الرجال أجمعين وكانوا خلائق كثيرة. والعجب أن الله سبحانه وتعالى قدّر فتح عكّا فى مثل اليوم الذي أخذها الفرنج فيه، ومثل الساعة التى أخذوها فيها، فإنّ الفرنج كانوا استولوا على عكّا فى يوم الجمعة سابع عشر «1» جمادى الآخرة [سنة سبع «2» وثمانين وخمسمائة] فى الساعة الثالثة من النهار، وأمّنوا من كان بها من المسلمين ثم قتلوهم غدرا، وقدّر الله تعالى أنّ المسلمين استرجعوها منهم فى هذه المرّة يوم الجمعة فى الساعة الثالثة من النهار، ووافق السابع عشر «3» من جمادى الأولى، وأمّنهم السلطان ثمّ قتلهم كما فعل الفرنج بالمسلمين، فانتقم الله تعالى من عاقبتهم.
وكان السلطان عند منازلته عكّا قد جهّز جماعة من الجند مقدّمهم الأمير علم الدين سنجر الصّوابى الجاشنكير إلى صور لحفظ الطّرق وتعرّف الأخبار، وأمره بمضايقة صور. فبينما هو فى ذلك لم يشعر إلّا بمراكب المنهزمين من عكّا قد وافت الميناء التى لصور، فحال بينها وبين الميناء؛ فطلب أهل صور الأمان فأمّنهم على أنفسهم وأموالهم ويسلّموا صور فأجيبوا إلى ذلك، فتسلّمها. وصور من أجلّ الأماكن ومن الحصون المنيعة، ولم يفتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب فيما فتح من الساحل، بل كان صلاح الدين كلّما فتح مكانا وأمّنهم أوصلهم إلى صور هذه لحصانتها ومنعتها، فألقى الله تعالى فى قلوب أهلها الرّعب حتّى سلّموها من غير قتال ولا منازلة، ولا كان الملك الأشرف فى نفسه شىء من أمرها البتّة.
وعند ما تسلّمها جهّز إليها من أخربها وهدم أسوارها وأبنيتها، ونقل من رخامها وأنقاضها شىء كثير. ولمّا تيسر أخذ صور على هذه الصورة قوى عزم الملك