ويولّيه الأمر بعد عمّه. وكان الذي حمل العاضد على تولية صلاح الدين ضعف صلاح الدين، فإنّه ظنّ أنّه إذا ولّى صلاح الدين، وليس له عسكر ولا رجال، كان فى ولايته مستضعفا، يحكم عليه ولا يقدر على المخالفة، وأنّه يضع على العسكر الشامىّ من يستميلهم، فإذا صار معه البعض أخرج الباقين، وتعود البلاد إليه؛ وعنده من العساكر الكتاميّة «1» من يحميها من الفرنج ونور الدين. والقصّة مشهورة «أردت عمرا وأراد الله خارجة» . فامتنع صلاح الدين وضعفت نفسه عن هذا «2» المقام، فألزمه العاضد وأخذ كارها؛ إنّ الله ليعجب من قوم يقادون إلى الجنّة بالسلاسل.
فلمّا حضر فى القصر خلع عليه خلعة الوزارة: الجبّة والعمامة وغيرهما، ولقّب بالملك الناصر، وعاد إلى دار عمّه أسد الدين شيركوه وأقام بها، ولم يلتفت إليه أحد من أولئك الأمراء الذين يريدون الأمر لأنفسهم ولا خدموه. وكان الفقيه ضياء الدين عيسى الهكّارىّ معه، فسعى مع سيف الدين علىّ بن أحمد حتّى أماله إليه، وقال له:
إنّ هذا الأمر لا يصل إليك مع وجود عين الدولة والحارمىّ وابن تليل، فمال إلى صلاح الدين. ثم قصد شهاب الدين الحارمىّ، وقال له: إنّ هذا صلاح الدين هو ابن أختك وملكه «3» لك، وقد استقام له الأمر فلا تكن أوّل من يسعى فى إخراجه عنه [ولا يصل إليك «4» ] ، ولم يزل به حتى أحضره أيضا عنده وحلّفه له.
ثم عدل إلى قطب الدين وقال له: إنّ صلاح الدين قد أطاعه الناس ولم يبق غيرك وغير الياروقىّ، وعلى كلّ حال فيجمع بينك وبين صلاح الدين أنّ أصله من الأكراد، ووعده وزاد فى إقطاعه «5» فأطاع صلاح الدين. ثم عدل إلى عين الدولة