فاتكا هذا من أستاذه بالرملة كرها وأعتقه، وحظى عند الإخشيذ، وكان رفيقا لكافور هذا، وهو الأعظم مع طيش وخفّة وحبورة، وكان كافور عاقلا سيوسا؛ فكان كلّما تزايد أمر كافور وعظم يزيد جنون فاتك وحسده، فلا يلتفت كافور إليه بل يدرّ عليه الإحسان ويراعيه إلى الغاية. وكان الفيّوم إقطاع فاتك المجنون، فاستأذن فاتك كافورا أن يتوجّه إلى إقطاعه بالفيّوم ويسكن هناك حتى لا يرى عظمة كافور؛ فأذن له كافور في ذلك وودّعه؛ فخرج فاتك إلى الفيّوم، فلم يصحّ مزاجه بها لو خامتها «1» فعاد بعد مدّة مريضا إلى مصر ليتداوى بها. وكان المتنبىّ الشاعر بمصر قد مدح كافورا بغرر القصائد، فسمع المتنبىّ بكرم المجنون فأحبّ أن يمدحه ولم يجسر خوفا من كافور. وكان كافور يكره فاتّكا في الباطن ويخافه، وصار فاتك يراسل المتنبىّ ويسأل عنه إلى أن اتّفق اجتماعهما يوما بالصحراء وجرت بينهما مفاوضات. فلمّا رجع فاتك إلى داره بعث إلى المتنبىّ بهديّة قيمتها ألف دينار، ثم أتبعها بهدايا أخر.
فاستأذن المتنبىّ كافورا في مدح فاتك فأذن له خوفا من فاتك وفي النفس شىء من ذلك؛ فمدحه المتنبىّ بقصيدته التى أوّلها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
إلى أن قال:
كفاتك ودخول الكاف منقصة ... كالشمس قلت وما للشمس أمثال
فحقد كافور على المتنبّى لذلك، وفطن المتنبىّ بعدوانه. فخرج من مصر هاربا، وكان هذا سببا لهجو المتنبىّ كافورا بعد أن كان مدحه بعدّة مدائح، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى.