فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ .. فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ وَالْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. قُلْتُ: لاَ تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف المجرد، أما إذا دفعها أولاً ببينة ثم جاءت بينة أخرى .. فتأتي أقوال التعارض.

قال: (فإن تلفت عنده) أي: عند الواصف (.. فلصاحب البينة تضمين الملتقط)؛ لأنه سلمه ما لم يكن له تسليمه.

قال: (والمدفوع إليه)؛ لأنه أخذ ما لم يكن له أخذه.

قال: (والقرار عليه) أي: على المدفوع إليه، ومعناه: أنه إن غرم الملتقط .. رجع عليه، وإن غرمه .. لا يرجع؛ لحصول التلف عنده، ولأنه يزعم أن صاحب البينة ظالم فلا يرجع على غير من ظلمه.

هذا إذا دفع بنفسه، فإن ألزمه القاضي الدفع .. فليس لصاحب اللقطة تضمينه على الصحيح؛ لعدم تقصيره بالدفع.

ويرد عليه ما لو كانت اللقطة قد أتلفها الملتقط بعد التمكن ومضى الحول، ثم ادعاها رجل ووصفها فسلم إليه القيمة، ثم جاء آخر فأقام بينة بها .. لم يكن له أن يطالب المدفوع إليه؛ لأن الذي حصل في يده مال الملتقط لا مال المدعي، ثم إنما يكون قرار الضمان على المدفوع إليه إذا لم يقر المدفوع له بالملك، فإن أقر .. فلا رجوع عليه مؤاخذة له بقوله.

قال: (قلت: لا تحل لقطة الحرم للتملك على الصحيح) بل للحفظ أبدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ...) الحديث، وفيه: (ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها) متفق عليه، وفي رواية: (لا تحل لقطته إلا لمنشد) قال الشافعي: المنشد: المعرف، والناشد: المالك؛ أي: لا تحل إلا لمعرف يعرفها ولا يتملكها.

وإنما عبر المصنف بـ (الحرم) وإن كان في الحديث مكة ليعلم أن حكم الحرم كله حكم مكة؛ لأنه فضل بذلك على سائر البلاد، والسر في ذلك أن الله تعالى جعله مثابة للناس يعودون إليه، فربما يعود الذي أضلها أو يبعث في طلبها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015