وإلى ذلك فإن مما ينبغي أن يعلن أن قضية الإحياء إنما أثارها وتولى كبرها أبو عبدالله بن حمدين قاضي قرطبة، وكذلك قضية إزعاج أبي العباس بن العريف من المرية إلى مراكش أنما كانت بسعي فقهاء بلده.

ولا ننكر أن بعض فقهاء المغرب تواطأوا مع فقهاء الأندلس على رأيهم في الأحياء، ولكنا نجد أبا الفضل بن النحوي من علماء المغرب الأوسط، يعارض فتيا ابن حمدين وينتصر للغزالي. وكان قد انتسخ كتاب الأحياء وجعله ثلاثين جزءاً. فإذا دخل شهر رمضان قرأ في كل يوم منه جزءاً، وكان يقول: وددت إني لم انظر في عمري سوى هذا الكتاب. وكذلك أبو الحسن البرجي من فقهاء المرية عارض في هذه الفتيا، وأوجب في نسخ الإحياء لما أحرقها ابن حمدين تأديب محرقها وتضمينه قيمتها لأنها مال مسلم. وقيل له أتكتب بما قلته خط يدك? فقال سبحن الله! «كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». ثم كتب السؤال في النازلة وكتب فتباه بعقبه. ودفع إلى أبي بكر بن عمر بن أحمد بن الفصيح وأبي القاسم بن ورد وغيرهما من فقهاء المرية ومشائخها؛ فكتب كل واحد منهم فيه بخطه؛ «وبه يقول فلان» مسلمين لعلمه وزهده. ففاظ ذلك ابن حمدين لما بلغه وكسر من حدته. وكتب إلى قاضي المرية حينئذ أبي عبد الملك مروان بن عبد الملك بعزله عن الخطة التي له؛ فأخبر بزهده وانقباضه عن الدنيا. وكان علي بن حرزهم من فقهاء فاس قد وافق أولاً على تلك الفتيا التي تدين كتاب الإحياء، ثم بدا له فرجع عنها. .

وهكذا نرى أن هذه الفتنة أندلسية في الأصل، وأن رجال الدولة إنما أخذوا فيها برأي الأغلبية من رجال الفقه، والرسميين منهم بالخصوص، كابن حمدين الذي كان قاضياً بعاصمة الأندلس، وهم مع ذلك لم يستقصوا ولم يتتبعوا من خالف من أهل العلم الأمر العالي الصادر في هذا الصدد تسامحاً منهم وتغاضياً. ولعلهم كانوا يكبحون من جماح المتحمسين للقضية، ولولا ذلك لربما سطا ابن حمدين بفقهاء المرية الذين وافقوا أبا الحسن البرجي على فتياه، إذ بعد أن يخلو بعضهم من خطئة إفتاء أو شهادة أو تدريس أو خطابة أو إمامة. . .

هذا ونحن نشرك الأندلس في الحديث عن المغرب لأن يوسف بن تاشفين بتوحيده للبلدين وحد تاريخهما وجعلهما وطناً واحداً يتبادل سكانه المصالح والمنافع، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015