صائماً في تلك المدة كلها. . فلم يكن تدين المرابطين خدعة ونفاقاً، كما لم يكن مذهباً خاصاً ونحلة متميزة، يضطهدون الناس من أجل الدفاع عنها وعدم مخالفتها.

وهنا تبرز قضية إحراق كتاب الإحياء للإمام الغزالي في أيام علي بن يوسف، فإن هذا الكتاب لما وصل إلى المغرب، ونعني به هنا ما يشمل الأندلس والمغربين الأقصى والأوسط، نظر فيه رجال الفقه والدين فرأوه محشواً بما لا عهد لهم به من آراء المتكلمين ومذاهب الصوفية. وقد تداولته الأيدي من خاصة الناس وعامتهم؛ فقرروا مجافاته الظاهر الشريعة وساذج العقيدة وحذروا الناس من مطالعته والنظر فيه، فما كان من رجال الدولة إلا أن أمروا بجمعه وإحراقه، ولم يعتبروا موالاة الغزالي لدولتهم ولا نظروا إلى المودة التي كانت بين يوسف وبينه، والمكاتبات التي جرت بينها والثناء الذي كان يثنيه الغزالي على يوسف، حتى لقد هم بزيارته وقصد البحر ليركب إليه فبلغه موته فرجع. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الدولة حقيقة كانت خاضعة لرأي الفقهاء لا تورد ولا تصدر إلا عن نظرهم، ويدل هذا بالتالي على أن القانون كانت له السيطرة على الجميع وأن رجال الدولة كانوا هم أول من يحترمه، وذلك في نظرنا غاية المدح والتقريظ للمرابطين الذين لم يثبت في تاريخهم أنهم أراقوا محجم دم في غير ساحة الحرب، ومن ثم فانهم لم يحكموا بالقتل قط على خارج ولا مخالف، ولو قتلوا أحداً لكان المعتمد أحق بالقتل لما ألب عليهم من الخصوم وبارزهم به من العداوة. . أما غيره من ملوك الطوائف الذين استسلموا فإنما نقلوهم إلى مراكش وأطلقوا سراحهم، بل لقد ثار عليهم ثوار بعد ضم الأندلس إلى المغرب. وكان مع هؤلاء الثوار شخصيات أدبية معروفة، فتلت في الذروة والغارب من الثورة) (?)، كما كانت هناك شخصيات أخرى تتولي مناصب سامية ولا تزال تشنع عليهم وتطعن فيهم، فطالما غضوا النظر عن هذه ولم يعاقبوا تلك إلا بعقوبات طفيفة قد لا تتجاوز الحرمان السياسي من الحقوق المدنية كما نعبر اليوم، ومن يدرينا أن ذلك من تأثير خضوعهم لأحكام الشرع وعملهم بقول فقهاء الإسلام؛ دين العدالة والتسامح؟ .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015