دوزي (?) يصبون جام غضبهم على المرابطين ودولتهم، ويجعلون مبدأ اضمحلال الأندلس من تاريخ استيلاء الدولة المرابطية عليها، ناسين أو متناسين أن اضمحلال الأندلس سياسياً إنما كان السبب الأول فيه تكالب النصارى على المسلمين وإذكاء نار الحرب عليهم بلا هوادة، منذ اليوم الذي وطئت فيه أقدامهم أرض شبه الجزيرة. وقد شعر الأندلسيون أنفسهم بالخطر الذي كان يتهددهم قبل عبور المرابطين إليهم، وعبر شاعرهم عن ذلك أصدق تعبير في هذه الأبيات البليغة التي قالها عند سقوط مدينة طليطلة في يد عدوهم وهي:
شدوا رواحلكم يا أهل أندلس ... فما المقام بها إلا من الغلط
ألثوب ينسل من أطرافه وأرى ... ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط
من جاور الشر لا يأمن بواثقه ... كيف الحياة مع الحيات في سفط؟
فمن الحق أن يقال إن المرابطين هم الذين مدوا حياة الأندلس السياسية وأبقوها في قبضة الإسلام زهاء أربعة قرون أخرى، وهذا هو ما يغيظ المستشرق دوزي ومن سلك سبيله في التحامل على الدولة المرابطية.
أما اضمحلال الأندلس معنوياً فليس هناك من ينكر أن الازدهار الذي عرفته في أيام المرابطين، ثم الموحدين بعدهم، يكاد يفوق ما كان لها منه في أيام الخلفاء وملوك الطوائف وخاصة في ميدان العلوم والآداب. إن معظم أعلام الفلسفة والطب الأندلسيين، هم ممن عاشوا في هذا العصر أو نبغوا بعده بقليل. فأبو بكر بن باجة المعروف بابن الصائغ الفيلسوف والطبيب والموسيقار هو من أظلته دولة المرابطين وخدم رجاها بعلمه وفنه. وأبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن طفيل وأبناء زهر هم