مع رجل أقل ما يقال فيه أنه أعطي ملكاً فلم يحسين سياسته، وقد أنكر شعبه تصرفاته، وعرض الفردوس العربي للفقد في منتصف القرن الخامس الهجري بعبثه واستهتاره، ثم حمل السلاح على حماة البلاد الذين أنقذوها من السقوط في يد العدو على حين أنهم لم يفرغوا بعد من لم شعثها ورأب صدعها؟ !
إننا مهما تملكتنا الأريحية الأدبية وأخذ منا الجمال الفني واستحوذ علينا الخيال الشعري، لا يبلغ بنا ذلك إلى حد إهمال شخصيتنا والتهاون في حفظ كياننا، فنفضل قول بيت من الشعر على إنقاذ مملكة من أزهى ممالك العرب والإسلام وأوسعها وأغناها وأعظمها حضارة وعمراناً ورقياً. .!
ليس يبلغ بنا استهواء المظاهر الحضارية الخلابة، والبذخ والترف، ومجالس اللهو والطرب، وعزف القيان وغناء الندمان، وتطيين البساتين بالمسك والعنبر) (?) وتشديد القصور وزخرفة الدثور إلى الاستكانة للذل والصغار وأداء الجزية التي يوجب الإسلام والشرف أخذها لا إعطاءها. ففي الحقيقة إن عمل يوسف جليل، وجليل جداً، وفوق ما يظنه الظان ويقدره أولئك الكتاب والأدباء الخياليون. والإسلام والمدنية والعالم كلها مدينة ليوسف بن تاشفين وممنونة له بإنقاذ الأندلس وبقائها في يد العرب مدة أربعة قرون أخرى. ومن المحقق أنه لو لم يسارع يوسف إلى إنقاذ الأندلس في ذلك الحين لما وجد ابن رشد ولا ابن طفيل ولا أبناء زهر ولا ابن العربي ولا ابن الخطيب ولا، ولا، ممن أنجبتهم تلك الجزيرة من رجال العلم والفلسفة في حياتها الثانية التي كان يوسف سبباً فيها، فضلاً عن غيرهم من رجال الدين والأدب الذين ازدهرت على أيديهم تلك الحضارة العديمة النظير. وهذا مما لا يشك فيه أحد، وإنما ألمعنا إليه هنا وإن لم يكن من موضوعنا لننبه على غلط أولئك الذين اندفعوا في تغليب أهوائهم وتحكيم عواطفهم ورموا المجاهد العظيم يوسف بن تاشفين بما أملاه عليهم تعصبهم للمعتمد بن عباد من صفات ذميمة وألصقوه به من تهم باطلة، ولو كانوا حقاً ذوي غيرة على دولة الأدب والشعر، لوجهوا حملاتهم العنيفة إلى من كان يعمل على هدم كيانها وتعفية أثرها في ذلك القطر العزيز بالتمهيد لاستيلاء العدو عليه