جامع القرويين كان مبدأ الارتكاز لها في المغرب، هو ظهور المذهب المالكي في الفقه، وسيطرته على المذهب الكوفي الذي كانت له الصولة في المغرب، وبالتالي قضاؤه على المذاهب الأخرى التي كانت منتشرة في جهات مختلفة من هذا القطر؛ كالمذهب الخارجي الذي كانت تعتنقه إمارة بني مدرار في سجلماسة، والبرغواطي (?) الذي كان باض وفرخ في تامسنا والإعتزالي الذي كانت منتشراً هنا وهناك، كالشيعي الذي يقال إن قرنه طلع مع نشوء الدولة الإدريسية. وعلى كل حال فإن مذهب مالك لم يتوطد أمره في هذا العصر كمذهب فقهي فقط، ولكن كعقيدة أيضاً فإن التلازم بين طريقته في الفقه والاعتقاد، وهي اتباع السنة ونبذ الرأي والتأويل، مما لا يخفى.

وقد كان الفضل في اتجاه المغرب هذا الاتجاه الرجال من أبنائه البررة، أرادوا إشباع نهمتهم من العلم، فتحملوا عن ديارهم ومساقط رؤوسهم، وضربوا في طول البلاد الإسلامية وعرضها طلباً للمزيد من المعرفة ورغبة في سعة الرواية، ثم عادوا إلى وطنهم يتفجرون عاماً ويلتهبون إخلاصاً.

فأخذ عنهم من لم يستطع الرحلة من مواطنيهم، وقاموا جميعاً بتأسيس قواعد العلم ومعاهد الدين في مختلف أنحاء البلاد. وهؤلاء أمثال أبي هرون البصري، الذي كان أول من أدخل كتاب ابن المواز إلى الأندلس، وأحمد بن الفتح المليلي، ودراس بن إسماعيل، وجبر الله بن القاسم الفاسي، وأبي جيدة بن أحمد، وأبي محمد الأصيلي، وابن أبي غافر، وعيسى بن علاء السبتيين، وعيسى بن سعادة الفاسي الذي تنازعه الفقهاء والمحدثون لما توفي بمصر، كلهم يدعيه ويقول أنا أحق بالصلاة عليه، وابن سمحون الطنجي بالحاء المهملة، ومحمد بن يحيى الصديني وأولاده، وابن الزويزي الذي كان يضرب به المثل في صحة الفتيا، يقولون: لا أفعله ولو أفتاك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015