لأنه كان فريداً بين المغاربة ليس معه عرب. . . وما هو خطر خمسمائة فرد في قطر بعد سكانه بالملايين? فلا جرم إذا بقي المغرب على جهله وتأخره ولم يسرع إلى التطور والتعرب والنقل عن أساتذته الجدد كما نقل عنهم أشقاؤه وجيرانه.
على أننا إن صورنا الحياة الفكرية في هذا العصر بهذه الصورة القائمة، فلا نمر بدون أن نشير إلى ذلك البصيص من النور الذي كان يومض خلالها أحياناً، منبعثاً من مصدر الإشعاع بفاس، أعني جامع القرويين. . . فمن المعلوم أن هذا المسجد الذي يعد أقدم جامعة علمية في العالم الإسلامي، قد أسس في هذا العصر، وبالضبط في سنة? 45 هـ. وكانت التي بنته سيدة فاضلة من مهاجرة القيروان، تسمى أم البنين الفهرية.
ولما كانت المساجد في المجتمع الإسلامي تؤدي مهمتين: مهمة دينية، ومهمة ثقافية. إذ تلقى في أروقتها دروس في مختلف العلوم والفنون، فإنا نعتقد أن جامع القرويين منذ إنشائه كان مركزاً للدراسات الدينية والأدبية، التي لم تنقطع منه أبداً، وأن تأسيسه كان مبدأ الارتكاز للحياة الفكرية في المغرب، بالرغم من وجود مساجد أخرى سابقة له في فاس وغيرها. ولا أدل على ذلك من أن كبار علماء المغرب الذين عرفناهم، إنما نبغوا بعد التاريخ الذي شيد فيه ذلك المسجد العامر.
على أن مراكز ثقافية أخرى كانت تقوم في كل من سبتة وطنجة والبصرة (?) وأصيلاً. وهي باستثناء سبتة قد عرض لحركتها فتور أو اضمحلت بالمرة أثناء هذا العصر نفسه، وإن تخرج منها أعلام لهم مكانتهم في تاريخ الحركة الفكرية بالمغرب. إذا فقد كانت هناك دروس، وكانت هناك هيئة علمية، وإن كنا لا نعرف من خبر هذه الهيئة وأثر تلك الدروس إلا الشيء القليل.
ولعل أهم ما نسجله عن الحياة الفكرية في هذا العصر، التي قلنا أن تأسيس