التحبير نظماً ونثراً مع متانة القول وإحكامه والذهاب في أغراض الكلام مذاهب الموهوبين من أدباء العربية الكبار. فلم يؤثر عليهم ما عرف عن هذه العصور المتأخرة من ضعف الملكات اللسانية بسبب ضعف الحركة العالمية واتجاهها ذلك الاتجاه العقيم المتردد بين الاختصار أو الشرح أو التعليق إلا فيما ندر، بل كان أن شقوا لأنفسهم طريقاً إلى المجد وسط تلك الدروب الملتوية، فأبانوا عن نبوغهم وعبقريتهم، وكان الشعر في أوائل هذا العصر أسبق إلى النهوض من النثر وخاصة في الكتابة الديوانية، ولذلك نعثر على رسائل رسمية من مستوى إنشائي ليس بذاك، في حين أن القصائد الشعرية التي قيلت في مولاي إسمعيل وابنه مولاي محمد العالم ولا سيما من شعراء شنجيط، كانت في مستوى عال من البلاغة والانسجام، ثم فيما بعد دولة سيدي محمد بن عبد الله ارتقت صناعة الكتابة، ولا سيما النثر الفني إلى المكانة التي قال فيها العلامة محمد بيرم الخامس في كتابه صفوة الاعتبار: «لعمري إن صناعة الإنشاء في الدول العربية كادت تكون الآن قاصرة على دولة مراكش» ولا نشك أن للوزير ابن إدريس ومن أتى بعده من بلغاء الكتاب يداً طولي في ذلك.

وإن ننس لا ننس الزواية الدلائية وما لها من يد على الحركة الأدبية في هذا العصر، فإنها التي أنعشت روح الأدب بعد خمودها بأثر سقوط الدولة السعدية. وقد نبغ من أهلها زيادة على المتخرجين فيها كثير من الأدباء الشرقي بن أبي بكر ومحمد ابن الحسناوي ومحمد بن أحمد بن الشاذلي الدلائيين وغيرهم. وقد لبث الأدب المعاصر يحمل طابعها الخاص زمناً غير قصير ممثلاً في أسلوب اليوسي القوي الرصين، ومتأدياً إلى ابن زاكور بطريق شيخه اليوسي، واليوسي من أعظم المتخرجين في الزاوية المذكورة كما سبق القول.

ونتخلص الآن إلى ذكر تراجم زعماء الحركة الأدبية في هذا العصر تتميماً للبحث وإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015