والده، فرجع ما كان إلى ما كان. ثم عاد المولى عبد الرحمن بن هشام فجدده في الجملة بمنشور آخر وإن لم يكن له مفعول في صرف العلماء عن طريقتهم وكتبهم المفضلة، وعلى كل حال فقد كان لهذا المنشور تأثير ظاهر في إحياء علوم التفسير والحديث، وإذكاء الرغبة فيهما لا سيما وقد كان للمولى سليمان غبطة كبيرة في التفسير مما كان باعثاً على مزيد الاعتناء به. وفي أيامه نبغ المفسر الكبير الشيخ الطيب بن كيران. كما نبغ في الحديث الحافظ أبو العلاء العراقي، وتأثر الفقه أيضاً بروح المنشور فانتعش بعد الانتكاس، وسرت فيه نسمة الحياة فلم يبق قاصراً على نصوص الفقهاء المجردة، وأقوال الخلافين غير المسندة، وذلك بفضل انتشار كتب السلف والاطلاع على آثار الأقدمين مع حسن النظر في الكتاب والسنة. والفقهاء النابغون في هذا العصر لا يأخذهم الحصر، إنما نحن نشير لمن كانت لهم يد ظاهرة في تجديد رسوم الفقه، ولا يزال تأثيرهم على العقول قوياً ظاهراً حتى وقتنا هذا كأبي علي بن رحال والبناني والرهوني.

وهؤلاء هم ممن ثبتت لهم المشاركة في باقي علوم الشريعة أيضاً، فلا يفهم من كلامنا أنهم كانوا قاصرين على الفقه، ولا حاجة إلى القول أنهم كانوا متضلعين في العلوم الآلية أيضاً، إنما لا بد من القول إن هناك آخرين كانوا في هذه العلوم مقطوعي القرين، وممن تلقى رايتها باليمين وهؤلاء كأحمد بن مبارك اللمطي وأبي العباس الهلالي وأبي حفص الفاسي؛ وفي اللغة والنحو بالخصوص نبغ أفراد كثيرون لا يقصرون عن نبغاء العصور المتقدمة في هذين العامين ناهيك بابن الطب الشرقي وابن بونة وابن زكرى.

أما فيما عدا ما ذكر من العلوم الأدبية، فإن التاريخ والجغرافية لم يكن حظها من الانتشار بأقل من أي علم آخر؛ فالكتب التي ألفت في تاريخ الدولة الشريفة وتراجم علماء هذا العصر تعد بالعشرات وكذا الرحلات وكتب الأنساب. وإذا ذهبنا نعد من كتب في هذا الموضوع طال بنا المجال فلنقتصر على تسمية بعض الأفراد الإفراني وابن الطيب القادري والزياني والكنسوس.

بقي الكلام في العلوم العقلية ونقول أنها كالسابق، كانت منتشرة بمقدار وبعض الرياضيات كالحساب والهيئة كان الاعتناء بها أكثر، وألفت فيها كتب عديدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015