عالياً ما بين البلاد. وما أن انتقل إلى رحمة الله حتى قام خلفاؤه فنسفوا بتنازعهم ذلك البنيان الشامخ نسفاً، وبدلوا أمن البلاد خوفاً وقوتها ضعفاً، فكادت تصبر إلى ما كانت عليه قبل من الفوضى والاختلال، لولا أن تداركها الله بولاية المولى محمد ابن عبد الله فخر هذه الدولة، وباعث مجد المغرب من بين الأنقاض. وقد اجتمع الناس عليه بعد وفاة أبيه مولاي عبد الله بن إسمعيل؛ فبايعوه لما كان ظهر منه أيام ولايته على مراكش، في عهد أبيه، من حسن السياسة وكمال النجدة وجودة الرأي، فلم يلبث أن ضرب على أيدي أهل الفساد، وساح في أنحاء البلاد متفقداً لأمورها، مستصلحاً لأحوالها، فاجتمعت على محبته القلوب، وأخلصت له الضمائر.

ثم أخذ يجدد ما درس أو كاد من آثار عظمة المغرب، فحصن العواصم والثغور، وشيد بها الأبراج والمعاقل المنيعة، وشحنها بالمدافع والعساكر القوية، واستكثر من إنشاء السفن الحربية وتدريب البحارة على العمل فيها بتلك المناورات التي كان يقيمها من حين لآخر في عرض بحر الزقاق وسواحل المحيط.

وبني مدينة الصويرة، واعتني بها غاية الاعتناء، فكان بناؤها من حسن سياسته إذ أبطل بها حصن أكدير ومرساه الذي كان الثوار يتداولونه ويسرحون منه شحن السلع افتياتاً على الدولة، فانقطع بالصويرة أملهم في ذلك، لا سيما وقد جاء مرساها غاية في حسن البناء.

ونظر المولى محمد بن عبد الله في علاقاته مع الدول نظرة توفيق وسداد، فعقد عدة معاهدات مع ملوك أوروبا وغيرها كلها في صالح بلاد المغرب. أما الدولة العثمانية فقد كان من أعظم أنصارها وأصدق محبيها، تقدم فخطب ودها في أيام السلطان مصطفى الثالث، إذا أرسل إليه رسولين، ومعها هدية فاخرة فيها خيل عتاق وسروج محلات بالذهب وسيوف مرصعة، فقوبلت هديته بالسرور، وأرسل إليه السلطان المذكور مرحباً مثقلاً بالمدافع والقنابل والبارود وكثير من أدوات الحرب.

ثم لما وقعت الحرب بين الروسيا والدولة العثمانية مدة السلطان عبد الحميد الأول الذي تولى بعد السلطان مصطفى الثالث، بادر المولى محمد بن عبد الله فأرسل إلى والي الجزائر أربع سفن حربية مثقلة بالهدايا وآلات الحرب، ورغب إليه أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015