البربر؛ فاستنزلهم جميعاً من صياصيهم، ولما طلبوا منه الأمان أجابهم إلى ذلك ليتفرغ إلى منازلة الأجانب المحتلتين بشواطئ المغرب، والمستولين على أهم ثغوره منذ اضطراب أحوال الدولة السعدية.

فسار إلى المهدية واستخلصها من يد الإسبان، ثم أرسل جيشاً كثيفاً لحصار العرائش وأصيلا، وكانتا بيدهم أيضاً فطردهم عنهما. وفي ذلك الوقت ورد الخبر بإخراج الإنكليز من طنجة، فتم بذلك سرور المواطنين وعظم فرحهم، وأقاموا الاحتفالات في كل مكان، وقد كانوا من فرط البث والحزن على أخذ العرائش في أيام الفتنة قد لبسوا الأحذية السود؛ فبقيت في أرجلهم حتى افتتحها مولاي إسماعيل، فانتزعوها حينئذ ولبسوا هذه النعال الصفر.

ثم وجه المولى إسماعيل عزمه إلى فتح ثغري سبتة ومليلة وشدد عليهما الحصار مدة طويلة، وانصرف إلى الصحراء فدخل بلاد السودان، واستولى عليها فامتدت حكومته إليها جنوباً، وشرقاً إلى بسكرة من بلاد المغرب الأوسط، وبذلك اتسعت مملكته، وعظم صيته، وهابه ملوك أوربا فمن دونهم.

وكان مولاي إسماعيل قد عني بجمع عبيد المغرب، واتخذ العصبية منهم، فأعد عسكراً قوياً شديداً من جنس السواد بلغ في حياته إلى مائة وخمسين ألفاً مفرقة في القلاع التي بناها بجميع أنحاء المغرب للحراسة وتأمين السبل، وبنى بإزاء كل قلعة منها فندقاً لإيواء التجار وعابري السبيل، فجاء هذا العمل دليلاً على مزيد حزمه وحسن تدبيره، إذ أمن بذلك انتقاض القبائل على حكومته، ووطد دعائم السلم الذي هو أساس الحضارة وأصل التمدين.

وهكذا ساد الأمن وعم العدل، ففاضت الخيرات، وكثرت النعم مع الرخاء المفرط، فلا قيمة للقمح ولا للماشية، والعمال تجبي الأموال، والرعية تدفع بلا كلفة. وأقام السلطان مولاي إسمعيل مشتغلاً بتجديد عاصمته مكناسة الزيتون، وكان لا يبغي بها بديلاً، فلا تسل عما شيده فيها من الآثار الهائلة والمصانع الضخمة مما يكل لسان البليغ عن وصفه، ولا يتصوره على حقيقته إلا من وقف عليه.

هذا قل من كثر مما عمله مولاي إسمعيل لصالح المغرب، إلى أن رفع رأسه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015