الحنيف واللسان العربي الشريف كتلة واحدة هم والعرب، يعادون من عاداهم، ويوالون من والاهم، ويكونون دائما يدا واحدة على من سواهم، وإن وجدت بين الأحايين بين الفريقين منازعات ومشاجرات فلا تكون إلا من قبيل تنازع قبائل العرب أنفسهم بعضها مع بعض، أو من باب المنازعات العائلية التي لا تمنع أصحابها من الاتحاد على الأجنبي وتناسي جميع الأحقاد بإزاء الخطر العام، وهذا على حد المثل العامي القائل. . . (أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عم على الغريب).
ولله در القائل:
وذوي ضباب مضمرين عداوة ... قرحى القلوب معاودي الأكناد
ناسيتهم بغضاءهم وتركتهم ... وهمو إذا ذكر الصديق أعادي
كيما أعدهمو لأبعد منهمو ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد
بل البربر في المواقف العامة هم أقرب إلى العرب من العرب بعضهم إلى بعض، ولئن كان التاريخ قد روى بين العرب والبربر مخاصمات شعبية عامة كما جرى في الأندلس مثلا بعد فتحها بقليل وأوجب نكوصا كانت عواقبه السيئة فيما بعد، فقد ندر وقوع هذه الحوادث ذات الشكل العام بين الأمتين، وغلب عليهما الشعور بالوحدة الإسلامية حتى صارتا مصداق قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].
ولا ننسى ما قام به البربر في التاريخ الإسلامي من جلائل الأعمال في الذب عن حوض هذه الملة، سواء على أيدي المرابطين أو الموحدين، أو بني مرين أو غيرهم، مما يجعلهم في مقدمة صفوف المجاهدين الذين تتباهى بمآثرهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال، يمكننا أن نقول بحسن اهتداء البربر وتآخيهم مع إخوانهم العرب حملة القرآن الأولين امتدت جزيرة العرب من شرقي البحر الأحمر الضيق إلى شرقي الأوقيانس الأطلنطيقي الواسع، فصارت هذه الأقطار كلها سلسلة عربية إسلامية غير منفصلة ولا متعصبة. وهذا قد وفاه حقه الأستاذ كنون، وأوضح أسباب انتشار الإسلام من أول الفتح بين الأمة البربرية، وذكر من