ولا يخفى أن في هذا العصر استفحل ذلك الشعر العامي الذي يتحدث عنه ابن خلدون في المقدمة، وهو من نظم عوام المغاربة؛ فيكون من الدلائل القاطعة على تمام استعرابهم، وبالتالي على رقي الوسط الأدبي عندهم، لأنهم ما نقلوا الشعر من رطانتهم إلى العربية حتى كان قد تغلغل الروح العربي فيهم إلى حد بعيد جداً. ولا عبرة بما في ذلك الشعر من ألفاظ ركيكة وتراكيب ضعيفة، وإنما العبرة بكونه نظماً على الأسلوب العربي وبألفاظ عربية في الجملة، يصدر من عوام المغرب الذين لم يثقفوا علماً ولا أدباً.

والعجب ممن تخفي عليه هذا الأمر، فراح ينعي على المغرب حظه من اللغة والأدب، ويستشهد بذلك الشعر الذي هو من قول عوام أهله. ولقد كان خليقاً أن يستشهد به على قوة انتشار اللغة العربية وآدابها في المجتمع المغربي الذي يقول عامته مثل ذلك الشعر؛ ولكنه لقصوره لم يعرف أن المغرب شعراء كأعظم شعراء بلاده إن لم يكونوا أعظم منهم. وابن خلدون لم يجعل هؤلاء العوام هم شعراء المغرب، وإنما أتى بهم دليلاً على ضعف الملكة الشعرية عند أهل الأمصار، وخصوصاً الأعجام منهم. ولو زاولوا الصناعة بالتعليم، وهو يغرق على عادته في هذه النظرية فيتناسى ما لأهل هذه الأمصار من اليد الطولي على العربية وآدابها خصوصاً في عصره، وقد كان محاطاً بكثير من نبغائهم الذين لا يقصرون عن غيرهم في فن ولا أدب؛ فجاء مؤلفاً كتاب المطرب في أدب الأندلس والمغرب، ففها عنه أن أولئك العوام هم شعراء المغرب، فانكرا العلم والأدب على المغاربة، فظهما المغرب والتاريخ الأدبي أشد الظلم، وكانا كمن يسمع أزجال عوام المصريين فيحكم على مصر بالعقم الأدبي ناسياً الشوقيات وغيرها من الآيات البينات) (?).

وبعد فما نريد أن نقوله هو أن هذا الوسط الأدبي الطافح بعناصر الحياة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015