تلك البلاد، لا يرفع عنها الحصار أبداً، ومنهم من كان معكوفه على الحرب فيها، سبباً في نبوغ الثوار عليه، واختلال شؤون مملكته، ومع ذلك لم ينقطع طمعهم فيها، ولم تنشن عزيمتهم عنها حتى جاء أبو الحسن، فخر هذه الدولة وأحد عظماء سلاطين المغرب، فلم يلبث أن فتحت له أبوابها على المصاريع، ودخل إليها حتى وصل إلى تونس، وضم المغرب كله بعضه إلى بعض، وأخذ في تنظيمه وإصلاحه على طريقة تكفل له النجاح والتقدم. لكن أجلاف العربان من بني سليم، وبقايا بني هلال إخوتهم) (?) الذين كانوا يعيشون في الأرض فساداً، ويأخذون الإتاوات من الناس ظلماً وعدواناً لما رأوا شدة شكيمته على أهل البغي والعناد وجده في سد أبواب المطامع، وحسم أصول الفساد ثاروا به وقطعوا عليه خط الرجعة، فوقع في الشرك وعمي خبره على شعبه.
وجاء الطاعون الجارف فأخلى البلاد، وافتى العباد، فأرجف الناس بموت السلطان، واختلت الأمور وكاد اليأس يستولي على النفوس، فوثب ولده أبو عنان وبايع نفسه، وانتصب على عرش والده المحصور في تونس. فلما سمع والده بذلك ركب البحر وقفل راجعاً في أسطوله الذي كان ينيف على الخمسمائة قطعة، ولكن الحظ السيء كتب على أسطول المغرب العظيم أن يتحطم في البحر، فتضمحل حينذاك القوة البحرية لهذا القطر الذي طالما جال بها وصال، فذهبت مع أمواج الخضم جميع القواد والأبطال؛ لكن الخسارة كل الخسارة في العلماء الذين كان السلطان لا يستغني عنهم، ويستصحبهم في حضره وسفره. وقد كان معه منهم في هذه الوجهة جم غفير فذهبوا ضحية سياسته الهوجاء، وهو نفسه إنما نجا على لوح من ألواح بعض السفن المتكسرة، بقي يتخبط فوقه حتى رماه الموج في أحد شواطئ مملكته، وكانت هذه النكبة مما ينقطع لها نياط القلب، ولا يرقأ لها دمع العين.
ولما رجع أبو الحسن، كان ولده قد ثبت مركزه، وأمر أمره فلم يشأ أن يتنزل له عن العرش فتقاتلا، وإنه لمن المؤسف أن يقع هذا بين الولد والوالد، وثبت على عهد الوالد رجال ممن صحت نياتهم، وخلصت ضمائرهم؛ لكن الوالد المسكين