لاستقلالها الذاتي. وفي حين دخولها للمغرب، كان هذا الأمير هو عبد الحق المريني رأس هذه الدولة، وأبو الأملاك منها، وكان رجلاً فاضلاً ديناً متورعاً، له نفوذ وجاء في قبائل زناتة كلها، فظل يجاذب الموحدين حبل الملك زمناً، ثم قضى وخلفه أولاده أبو سعيد عثمان وأبو معرف محمد وأبو بكر، فاستمر التنافس بينهم وبين ملوك الموحدين الذين ما كان أكثر عددهم وأقل مدتهم على العادة في هذه الفترة التي يعقبها السقوط. ثم لما آذنت شمسهم بالزوال، وظلهم بالانقلاب أوقع بهم بنو مرين في معركة تعرف بيوم المشعلة، وقعة فاصلة لم يرفعوا بعدها رأساً ولا أبدوا حراكاً، وجاءت نوبة يعقوب بن عبد الحق رابع الإخوة المذكورين فلم يكن من الصعب عليه أن يستأصل شأفتهم ويجتث جذورهم في سنة 6? 4، وكذلك خلص له الملك بالمغرب، فأعلن نفسه سلطاناً وتلقب بالمنصور.
تقلص ظل الموحدين من المغرب، واستتب الأمر لبني مرين، فلم يبق من ينازعهم في شيء، لذلك نرى أن مجال العمل المفيد قد أصبح فسيحاً أمام السلطان الجديد، إنما هو لم يترك بعد ميدان الحرب والسياسة فتقدم إلى إفريقية يريد استلحاقها، كما كانت في أيام الموحدين، وهيهات ذلك فقد فات الفوت، ودخلت تلك البلاد في ملك بني عبد الواد، وبني حفص القائمين بها، ولم يبق محل للعملية التي أجراها عبد المؤمن لتحقيق الوحدة المغربية، وضم أطراف البلاد الإفريقية، فتلك قد اكتنفها من الظروف المؤاتية ما لم يكن منه هنا قليل ولا كثير، لذلك كان الإقدام على الحرب في هذه الحال مجازفة، قلما تأتي بنتيجة غير الشر المستطير، فالذي ينبغي عمله حينئذ هو الاتحاد والتعاون على تشييد صروح العدل والنظام وإصلاح أحوال البلاد، وتبادل المصالح المشتركة.
وأما الحرب وخصوصاً بين شعبين إسلاميين متجاورين، فإنما تسبب من الضرر والبلاء ما يعسر مع طول المدة تداركه وتلافيه.
غير أن أولئك القوم لم يكونوا يحسبون هذا الحساب، ولا يقيمون. لهذه الاعتبارات وزناً. فلذلك لا نعجب من تسابقهم إلى تحقيق هذه الغاية، وهي الاستيلاء على بلاد إفريقية مهما كلفهم ذلك من الجهد والعناء، ومهما كان فيه من إزهاق الأرواح البريئة، وتقاتل المسلمين بعضهم مع بعض. ثم منهم من كان مرابطاً دائماً على معاقل