النصارى من سواحل الشام. ويؤيد هذا ما كان له من الصيت عند أهل الشام، حتى إنهم أقاموا له مشهداً بالقرب من دمشق على ما عند ابن خلكان.
وتوفي المنصور سنة 595 وخلفه ولده محمد الناصر وكان كأبيه همة ونجدة وشجاعة. وفي أوائل أيامه واجه ثورة ابن غانية بإفريقية فقضى عليها وقتل ابن غانية وأراح البلاد من فتنته وعيثه، وبعث بأسطول من مرسي الجزائر إلى جزائر شرق الأندلس المعروفة بالبليار؛ فاقتحمها وكانت هي معقل بني غانية، استقلوا بها منذ اضمحلال دولة المرابطين. وباستيلاء الناصر عليها أنهار آخر حصن للمرابطين كانوا يروعون به أمن السكان في شرق الأندلس وإفريقية ويهددون منه سلامة الدولة الموحدية. ومع أن هذا العمل الذي افتتح به الناصر مدة حكمه يدل على توفيقه وحسن سياسته، فإن الحظ خانه في الواقعة التي جرت بينه وبين القوات المتحدة الممالك النصرانية بالأندلس في صفر سنة 609 وتسمى بالعقاب (?) وكانت من الوقائع الفاصلة التي عجلت بسقوط الأندلس وأدالت بها للنصرانية من دولة الإسلام، ثم كانت هي مبدأ سقوط الدولة الموحدية وإن دامت بعدها أكثر من نصف قرن.
إن هذا الاستعراض السريع لما بذله رجال الدولة الموحدية من جهود جبارة في سبيل إقرار الوحدة المغربية والدفاع عن تراث الإسلام في إسبانيا لمما ينبئ عن عقيدة راسخة وإيمان قوي بالمهمة السامية التي كان على المسؤولين في الدولة الجديدة أن يضطلعوا بها. فما كانت دعوة المهدي إلا دعوة توحيد وتجديد للمفاهيم الإسلامية التي تبعث روح القوة والعزم في نفوس المسلمين فينهضون للعمل بجد لحماية بيضتهم وحفظ كيانهم المادي والمعنوي. وتحت تأثير هذه الدعوة اندفع الموحدون المقاومة القوات المسيحية الحليفة من ممالك قشتالة وليون ونبارة وأراغون التي تدفقت على بلاد الأندلس معززة بعطف البابا وبالفرسان الصليبيين الذين جاءوا من مختلف بلاد أوربا يريدون سحق المسلمين. كذلك كانت مملكة النورمان الناشئة في صقلية أوائل القرن السادس الهجري قد اقتحمت مدن الشاطئ الإفريقي