أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
287 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ «يَرَى شَهَادَتَهُ جَائِزَةً إِذَا تَابَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَيَرَوْنَ شَهَادَتَهُ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا تَأَوَّلَ فِيمَا نَرَى الْآيَةَ، فَالَّذِي لَا يَقْبَلُهَا يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ انْقَطَعَ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، فَقَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5]، فَأَوْقَعَ التَّوْبَةَ عَلَى الْفِسْقِ خَاصَّةً دُونَ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، ثُمَّ أَوْقَعُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى كُلِّ الْكَلَامِ وَرَأَوْا أَنَّهُ مُنْتَظِمٌ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي يُخْتَارُ هَذَا الْقَوْلُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ وَأَعْلَى، مِنْهُمْ -[154]- عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَنْ وَرَاءَهُ، مَعَ أَنَّهُ فِي النَّظَرِ عَلَى هَذَا أَصَحُّ، وَلَا يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفَاحِشَةِ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ رَاكِبِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْعَاهِرِ أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إِذَا تَابَ، فَرَامِيهِ بِهَا أَيْسَرُ جُرْمًا إِذَا نَزَعَ عَمَّا قَالَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِذَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ مِنْ عَبْدِهِ كَانَ الْعِبَادُ بِالْقَبُولِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160]، فَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ نَاسِخٌ لِلْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا وَأَنَّ التَّوْبَةَ لِهَؤُلَاءِ جَمِيعًا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطُّهُورِ حِينَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، فَصَارَ التَّيَمُّمُ لَاحِقًا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ، كَمَا لَحِقَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ عَمَّارًا وَأَبَا ذَرٍّ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَأَوَّلَ مَنْ رَأَى شَهَادَةَ الْقَاذِفِ جَائِزَةً؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ وَبَعْضُهُ تَابَعَ بَعْضًا، ثُمَّ انْتَظَمَهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَحَاطَ بِهِ "