والعجوة: شرب من أجود التمر بالمدينة، ونخلتها تسمى اللينة. والخاصية التي ذكرها فيها إنما كانت بدعائه؛ وذلك أن القوم تبرموا عن الاجتراء بالتمر حتى قالوا: أحرق بطوننا التمر، وكان قد دعا في طعام المدينة غير مرة، وأعلمه الله بما جعل فيه من البركة، ووضع فيه من المنفعة، لاسيما في التمر الذي كان أكثر طعامهم، أعلمهم بما أعلمه الله ليعرفوا مواقع نعمة الله عليهم، ويشكروها ولا يزدروها.
[3112] ومنه قول عائشة- رضي الله عنها- في حديثها (توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبعنا من الأسودين) الأسودان: التمر والماء، والسواد للتمر دون الماء، فنعتا بنعت واحد، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معا باسم الأشهر منهما. هذا قول أصحاب الغريب.
قلت: وقد بقى عليهم بقية، وذلك أنهم لم يبينوا وجه التسوية بين التمر والماء في العوز، ومن المعلوم أنهم كانوا في سعة من الماء، قلت: إنما قالت ذلك؛ لأن الري من الماء لم يكن ليحصل لهم من دون الشبع من الطعام، فإن أكثر الأمم لاسيما العرب يرون شرب الماء على الريق بالغا في المضرة، فقرنت بينهما لعوز التمتع بأحدهما بدون الإصابة من الآخر، وعبرت عن الأمرين: أعني الشبع والري بفعل واحد كما عبرت عن التمر والماء بوصف واحد.
[3116] ومنه حديث جابر- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أتى بقدر فيه خضروات ... الحديث). كذا رواه البخاري في كتابه بالقاف، وقد قيل: إن الصواب فيه (أتى ببدر) بالباء، وهو طبق يتخذ من الخوص، ولعله سمي بذلك لاستدارته استدارة بالبدر، وخضروات بفتح الخاء وكسر الضاد جمع خضرة أي: بقول خضرات، ورواه بعضهم بضم الخاء وفتح الضاد.