العلم، وحسن السيرة، واستقامة الأحوال، ولهذا وصفهم بالراشدين، وهم: الذين أوتوا رشدهم في مقاصدهم الصحيحة، وهدوا إلى الأقوم والأصلح في أقوالهم وأفعالهم، وإنما ذكر سنتهم في مقابلة سنته لأمرين:
إحداهما: أنه علم أنهم لا يخطئون سنته، فيما يستخرجونه من سنته بالاجتهاد. ومن هذا الباب قتال أبي بكر- رضي الله عنه- مانعي الزكاة، وقتال علي- رضي الله عنه- المارقة، وقد تعلق بذلك أحكام كثيرة، وقد بلغنا عن أبي حنيفة- رحمة الله عليه- أنه قال: لولا علي ما كنا ندري أحكام أهل البغي.
والثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أن بعضا من سنته لا يشتهر في زمانه، وإن علمه الأفراد من صحابته، ثم يشتهر في زمان الخلفاء، فيضاف إليهم، فربما يتذرع أحد إلى رد تلك السنة بإضافتها إليهم، فأطلق القول بإتباع سنتهم؛ سدا لهذا الباب، ومن هذا النوع منع عمر- رضي الله عنه- عن بيع أمهات الأولاد، وله نظائر كثيرة.
وفيه: (عضوا عليها بالنواجذ) اختلف أهل اللغة في النواجذ، فمن قائل: إنها الأضراس. ومن قائل: إنها المضاحك. ومن قائل: إنها الأنياب. والأكثرون على أن الناجذ آخر الأضراس من الإنسان وهي أربعة نواجذ، ومن الفرس: أنيابه، فلعل بعضهم استعملها في أنياب الإنسان على طريق التوسع، ومعنى هذا الكلام: المبالغة في التمسك بهذه الوصية، بجميع ما يمكن من الأسباب المعينة عليه، كالذي يتمسك بالشيء، ثم يستعين عليه بأسنانه، استظهارا للمحافظة، وعلى هذا التأويل، فالنواجذ هي الأنياب، ويجوز أن يكون معناه المحافظة على هذه الوصية، بالصبر على مقاساة الشدائد، كمن أصابه ألم فأراد أن يصبر عليه، ولا يستغيث منه بأحد، ولا يريد أن يظهر ذلك عن نفسه، فجعل يشتد بأسنانه بعضها على بعض، وكل ما حمل عليه النواجذ من الأقاويل، فإنه يستقيم على هذا التأويل، والله أعلم.
[123] ومنه حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) إن حمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يؤمن أحدكم) على معنى الاتساع فيه، كقوله: