[2778] ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ ..) الحديث (ما) استفهامية، ويسأل بكلمة (ما) عن جنس هذا الشيء ونوعه، وعن صفات جنس الشيء ونوعه، وقد يسأل بها عن الأشخاص الناطقين، ولما كانت حقيقة الاستفهام هاهنا السؤال عن الحال التي ينال بها المؤمن رتبة الشهادة، استفهم عنها بكلمة (ما) ليكون أدل على وصفها وعلى المعنى المراد منها، ثم إنها مع ذلك تسد مسد (من)، ولهذا اجابوا عنها بقولهم: (من قتل في سبيل الله). والشهيد في التعارف الشرعي من قتل في سبيل الله، وأما تسميته بذلك من حيث الاشتقاق اللفظي فقد قيل: لأنه يشهد حينئذ الملائكة المبشرين بالفوز والكرامة، ويحتمل أنه سمي بذلك؛ لأنه يشاهد حينئذ ما اعد له من النعيم، أو لأنه يحضر عند ربه، قال الله تعالى: {والشهداء عند ربهم} وقد قيل: سمي شهيداً؛ لأنه تبين مما بذله من نفسه في سبيل ربه استقامته على الإيمان، وإخلاصه في الطاعة، والأصل الشهادة التبيين، وله 1 ايقال للشهادة الشهود: بينة. وقد قيل: لأنه يكون تلو الرسل في الشهادة على الأمم، فيشهد بمثل ما يشهدون به، وكفى بذلك شرفاً ومنزلة. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ومن مات في سبيل الله .. إلى آخر الحديث) أنهم يشاركون الشهداء في نوع من أنواع الثوبات، التي يستحقها الشهداء، ولم يرد به- والله أعلم- المساواة في سائر أنواع الفضيلة، وإنما اخترنا ذلك للفرق الذي عرفناه من أصل الدين بين القبيلين.
[2779] ومنه حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما من غازية أو سرية .. الحديث) أراد بالغازية: الجيش التي تخرج في الجهاد في سبيل الله، والغزو: الخروج إلى محاربة العدو، وهو في تعارف أهل الإسلام الخروج إلى محاربة أعداء الله. والسرية: القطعة من الجيش، وليس (أو) من